«بنحترق»

WhatsApp Image 2020 03 03 at 83258 AM

خلال إجازتي هذا الصيف في عاصمة الضباب كما كان يُطلق عليها، صدف تواجدي خلال موجة الحر الثانية، ووصلت الحرارة إلى 40 درجة، والبلد وقّف، لا باصات ولا قطارات، والشوارع شبه فاضية، يمكن بس أهل الخليج تلاقيهم بالشارع، طبعاً بالنسبة لنا صح إنه حر، لكن درجة حرارة 40 متعودين عليها وما هي بغريبة علينا، ولكن الناس في أوروبا يومين حر اشتعلت النيران بغاباتهم، وبدأنا نسمع عن مئات الوفيات نتيجة ارتفاع الحرارة، والظاهر العالم بدأ يواجه نتائج الاحتباس الحراري، فبعض الدول الأوروبية بدأت فعلاً باتخاذ إجراءاتٍ فعالة تجاه تلك الظاهرة، وقد تكون الدنمارك من أكثرها تطوراً وجدّية، خصوصاً في ما يتعلق بالطاقة المتجدّدة والنظيفة، والإنكليز ماشين بهذا الطريق، والدليل على ذلك انخفاض نسبة التلوث بشكلٍ كبير نتاج انتشار السيارات الكهربائية، خصوصاً بالتكاسي وطرق النقل الأُخرى، وكإحصائيةٍ فقد انخفض ثاني أوكسيد النيتروجين من شوارع لندن من 2016 إلى 2019 بنسبة %94، وهناك ضريبة تصل إلى 12.5 باوند في اليوم في بعض الشوارع المزدحمة على كل سيارة تستعمل البنزين أو الديزل، وكذلك ثاني أوكسيد الكربون انخفض بنسبة %27 من عام 2001 إلى الآن، مع مراعاة 1.4 مليون زيادة في عدد السكان خلال هذه الفترة، وأعتقد أنه لولا هذه الإجراءات لكان وضع العاصمة البريطانية أكثر سوءاً خلال موجات الحر تلك، وأذكر أنه في الثمانينيات في لندن كنت ترجع الأوتيل راسك معورك وينك يا بندول من كثر روائح العوادم، وكانت المدينة أكثر ضجيجاً كون مكائن الباصات والتكاسي في ذلك الوقت تعمل على الديزل، وبخلي لندن إلى أهلها وبرجع لديرتنا، وكنت أقول لحفيدي عدنان: «الحمد لله إحنا في الكويت صحيح حر، ولكن كل شي مكيف»، ردّ عليّ وقال: «الآن الحرارة تصل إلى 51، ويُتوقع ارتفاع الحرارة في العالم درجتين مع حلول عام 2050، معناه الحرارة راح توصل عندنا إلى 53 درجة وهذا غير درجة الرطوبة والعواصف الترابية الناتجة عن الجفاف، وكَمّل: مكيفاتنا هل ستتحمل هذه الظروف؟». ردّيت عليه: «كلامك عدل، أصلاً كفاءة المكيفات بالدرجات الحالية أخذت بالانخفاض، والظاهر يا ابني إذا ما تتحرك الدولة وأجهزتها الآن لمواجهة تلك المعضلة فراح نحترق»، ردّ عليّ رداً معقولاً ومنطقياً: «استعمال الطاقة النظيفة والتشجير من الممكن أن يقلل من درجة الحرارة خمس درجات فتُقابل الزيادة المتوقعة مع نقصان»، واستطرد قائلاً: «لو كل منزل زرع شجرة أمامه، فخلال 10 سنوات سوف ترى غابة خضراء عند عبورك بالطائرة فوق مدينة الكويت»، ردّيت عليه: «عندنا هيئة للزراعة وزّعت المئات من المزارع والجواخير لتوفير الأمن الغذائي والحيواني، ولكن للأسف تحوّل العديد منها إلى الاستعمال الشخصي للمستفيد كديوانية أو مزرعة خاصة»، وما ودي أقوله علشان لا أحبطه أكثر شلون وكيف ولِمَن توزعت بعض تلك القسائم، ولكن النتيجة كانت لا وجود لأمن غذائي ولا حيواني، وقلت له: «في كل مناطق الكويت هناك مساحات مخصّصة للحدائق، ولكن للأسف معظمها مهملة وصارت مواقف شاحنات ومظلات سيارات وغيرها»، وكمّلت له: «وعندنا هيئة للبيئة للحين مو عارفين يحكمون وزارة الأشغال ووقفها عن ضخ مياه الصرف في البحر، فمعظم مياه صرف الأمطار لا تصل إلى البحر نظيفة نتيجة مخالفاتٍ لا تُعدُ ولا تُحصى من بعض المواطنين والمقاولين، الذين يربطون صرف المجاري بمناهيل صرف الأمطار، وهذا غير بلاوي الكراجات والمصانع في الشويخ والري، وهناك ورش صياغة الذهب المنتشرة هنا وهناك تصرف مخلفاتها من الزئبق السام والاسيد وغيرهما من الكيماويات الخطرة في مجاري صرف المياه»، ضاق خلقه الحفيد وردّ: «بهذه الحالة إحنا ما راح نحترق إحنا الحين قاعدين نحترق».

وتسلمون.

المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر الثلاثاء الثاني من أغسطس 2022 (الرابط الإلكتروني)

«بنحترق» PDF

عدد الزائرين:

244 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

تغيير اللغة

arenfrdeestr