رحلة إلى برلين

essay image

قبل كم شهر جاءتني محاولات مستميتة من الأسباط يقنعونني بإجازة الصيف أوديهم يحضرون إحدى مباريات كأس الأمم الأوروبية في ألمانيا، وأنا بطبعي ما أحب الزحمة ولا إزعاج الناس، ولكن هذا جيل الكرة العالمية، ومحلياً يكفي كونهم كويتاوية على درب جدهم، اشترطت عليهم النجاح وإرضاء والديهم بنتائجهم كشرطٍ مسبق، المهم الصغير منهم عثمان عارف الجدول عدل وكيفية شراء التذاكر وغيرها، وكان متحمساً لشراء تذاكر مباراة في ميونخ وأنا قلت له: «ميونخ ما فيها شي، خلنا نشوف برلين» وقال لي: «ترى الفرق هناك بذلك اليوم ما راح تكون من الفرق الكبيرة»، وشلون يعرف؟ شخصياً أنا ما أعرف، المهم طلع كلامه صح وانتهينا بمباراة الفريق التركي مع الهولندي وما كان أفضل خيار لهم ولا لي أيضاً، بناءً على تجربتي غير الجيدة مع إزعاج جماهير أحد الفرق العربية في كأس العالم في قطر، وقلت بقلبي الله يعين على الفوضى، وبالنسبة للأتراك فيعتبرون تلك المباراة محلية، حيث ان تعداد الجالية التركية في برلين يوازي نصف المليون، والشوارع في يوم المباراة كلها أتراك وكأننا في إسطنبول، سيارات وهرنات وصيحة، وطبعاً أكيد الجماعة فرحون بأداء فريقهم، وإن شاء الله يوماً ما نفرح مثلهم لفريقنا الأزرق، المهم حضرنا المباراة والصراحة تفاجأت بمدى انضباط الجماهير وخصوصاً الجمهور التركي، وشخصياً توقعي كان في غير محله ويظل أكثر انضباطاً من غيره، ولاحظت تواجد العائلات مع الأطفال بشكل ملحوظ في الملعب، مما أضفى روحاً إيجابية على الرغم من وجود الكحول، ولكن ما حد تعدى حدوده، فالقانون صارم والكل يحترمه.. «مشاهداتي متعلقة بتلك المباراة فقط»، وتلك ميزة هيبة وتطبيق القانون والذي أسعدنا كثيراً عندما بدأنا نراه وبحزم في وطننا الكويت والنتيجة راح تكون إيجابية على الجميع بإذن الله، المهم فريق هولندا اللي فاز والأسباط استانسوا واستانست معاهم، فتلك لحظات من عمر الإنسان تُسجل في الذاكرة وتستحق العناء، المهم بترك المباراة وبتكلم عن ملعب برلين الأولمبي والذي أُقيمت عليه المباراة فهذا معلمٌ تاريخي يستحق الزيارة، فطريقة بنائه تُرجع الناظر إلى عام ١٩٣٦ حيث تم بناؤه بالحقبة النازية لاستضافة الألعاب الأولمبية، وتعرض لكثير من الضرر إبان الحرب العالمية الثانية، ومر بمرحلتيّ إعادة تأهيل ولكن وعلى الرغم من ذلك تمت المحافظة على كيانه التاريخي، شخصياً وكوني من يهتم بما هو قديم، استمتعت بوجودي بذلك النصب التاريخي، أما برلين فتلك المدينة ذات المعالم التي ما زالت تئن من ذكريات ويلات الحروب النازية وانقسام المدينة ما بين الشرق والغرب، وكما هو معلوم خضع جزؤها الغربي للقوات الأمريكية والإنكليزية والفرنسية، أما الشرقي فهو للسوفيت، وأصبحت نقطة التقاء القوات والتي سُميت باسم «شارلي» نسبةً إلى أحد الجنود المرابطين في نقطة المراقبة تلك، فأضحى مركزاً سياحياً يقصده كل من يزور تلك المدينة، ومن باب العلم بالشيء أخذت الأسباط إلى متحف صوت وصورة مقام بالمخبأ المحصن الذي لجأ إليه هتلر بنهاية الحرب، ومن خلال العرض يمكن تتبع نشأة هتلر من طفل يتيم إلى شاب أقصى طموحه يكون فنانا، إلى الحرب العالمية الأولى والذي حاول الالتحاق بالجيش كمقاتل ولكن رُفض كونه نمساوي الجنسية، ولكن خذوه كمراسل، المهم بعد الحرب أخذ بالتسلق من خلال الديموقراطية الهشة القائمة حين ذاك، وكونه ذا كاريزما ومتكلما استطاع الوصول إلى القمة، وبعد الوصول قضى على كل ما يُسمى بالديموقراطية، وأكثر من ذلك حوّل الولاء من الدولة إلى شخصه والبقية الكل يعرفها، وليش أذكر تلك القصة لأن وضعنا وقبل حل مجلس الأمة كان ماشي بنفس الخط، فمن خلال تلك الديموقراطية غير الناضجة حاول العديد ممن لا يؤمنون بها أصلاً التسلق من خلالها بغرض الوصول الى اهدافهم غير المعلنة، ولولا رحمة من الله ومن ثم حكمة صاحب السمو امير البلاد «حفظه الله»، ومن دون مبالغة لرأينا الكثير من المصاعب، وبالنهاية كانت خوش سفرة وان شاء الله تنعاد.. وتسلمون.

المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر الثلاثاء السادس عشر من يوليو 2024 (الرابط الإلكتروني).

رحلة إلى برلين -  PDF