عين النقرور (2)
بعث لي الصديق العزيز محمد مصطفى كرم رسالة على الواتس اب من ثلاث فقرات، الأولى رابط مقالتي «عين النقرور» والتي كتبتها في 13/8/2015 ومعها رابط آخر لمقال الزميلة والأستاذة المتميزة سعاد المعجل والتي حملت اسم «الكويت بعين سعادة السفير»، وأخيراً صورة له مع سعادة السفير برحلة حداق وختمها بكلمات قال فيها: «صديقنا سفير النمسا راح يترك الكويت وهو حزين جداً، يعشق الكويت، أهلها، برها، بحرها، ونعم أكل سمك الكويت، تحياتي لك ولأسرتك الكريمة بوعثمان»، رسالته الجميلة هذه أكدت مقولتي التي أرددها كثيراً لكل أجنبي جديد على الكويت وأقول له: «عندك ٣ أشهر تغادر الكويت لأن بعدها راح يكون صعب عليك مغادرتها»، وطبعاً ما يستوعبون كلامي وما ألومهم ويجاملوني بابتسامة ولكن بعد فترة يعرفون معنى كلامي؛ ومن مقال الأستاذة سعاد، الجميل والمعبر أقتبس بعض ما كتبت لنعرف من هو سفير النمسا: «السفير الرائع ماريان وربا عمل سفيراً لبلاده في الكويت من عام 2008 إلى عام 2012، ليصبح حريصاً في ما بعد على تكرار التجربة، وليعود بعدها سفيراً لبلاده في الكويت من عام 2020 حتى عام 2024». وتكمل «ما ذكره سعادة السفير الرائع ماريان ألكسندر وربا مشكوراً حول تجربته في الكويت، يُلخص وبشكلٍ جميل طبيعة وظروف الكويت، أرضاً ومجتمعاً وشعباً، ويعكس الأثر الحميد الذي يزرعه المواطن الكويتي في نفس كل زائر لهذه الأرض». المهم مقال جميل آمل من الكل قراءته، فشكراً للأستاذة سعاد وشكراً أخوي محمد وشكراً سعادة السفير وأُعيد أدناه نشر بعض ما جاء في مقالي «عين النقرور»: «المثل الكويتي يقول «من أكل عين النقرور ما يتعدى باب السور»، وهالمثل صحيح، بس شلون؟ لكم عندي حزاية صجية، من خمس وعشرين سنة كان معنا زميل أمريكي اسمه جون كارلو دخل الكويت صغير السن، وعمل بالمصرف ذاته الذي عملت به، وتدرّج في المناصب حتى تم ترشيحه لمنصب كبير المديرين العاملين، إلا أنّ البنك المركزي، وبذاك التاريخ، رفض ترشيحه بحجة أنّ شهادته ليست جامعية، المهم سألته ما العمل الآن؟ أجابني بوجود عرض آخر في أمريكا أفضل من عرض الكويت إلا أنه حزين على ترك الكويت، ويقول إنه أصبح كالضب لا يستحسن الحياة إلا تحت الشمس المحرقة، استغربت الأمر، أمريكي وعنده خير، لا وعزوبي بعد، وزعلان على فراق الكويت! رحل جون إلى قومه وظلت كلماته تتردد على مسامعي كلما رأيت أجنبياً يطيل المكوث في الكويت، وكنت أتساءل: هل هي الحاجة أم أمر آخر؟ إلى أن جاء لقائي بدان، كبير المعماريين الذي تولى تصميم البروميناد مول، وهو أمريكي وزوجته شيكا اليابانية، وكنا على عشاء ولم يمض على بقائهما في الكويت ثلاثة أشهر، فسألته عن الكويت، والإجابة أتت من شيكا «لأ، أتينا من سان فرانسيسكو ولدينا بيت جميل وسنعود إليه حال الانتهاء من تصميم مشروعكم»، حدها ما لها خلق الكويت وما عقبت على كلامها واكتفيت بابتسامة وتوجهت بالحديث إلى زوجها وأبلغته بأن «عندك ثلاثة أشهر أخرى قبل أن يتعلّق قلبك بالكويت نهائياً»، وحين قاطعت شيكا الحديث اعتراضاً قلت لها «على كيفك بس لا تاكلين من عين النقرور»، وتحوّل حديثنا نحو المثل الكويتي، ومرّت سنوات، ورحل دان وشيكا إلى حضن منزلهما الجميل، وحصلت شيكا على عمل وكذلك دان، ولكن المشكلة أن من ذاك التاريخ وإلى اليوم يتصل بي دان راغباً في العودة إلى الكويت، سبحان الله! رجل ثري ويعمل في أكبر دور العمارة في أمريكا لمَ يود العودة إلى الكويت؟! فأجابني: في الكويت وجدنا الراحة النفسية ووجدنا الحياة الحلوة والمجتمع الكويتي المضياف، وأنّ شيكا هي الأخرى افتقدت ديوانيتها النسائية التي افتتحتها للجالية اليابانية في الكويت، ويكمل دان: منذ عودتنا سرعان ما دخلنا في دائرة الاكتئاب والملل ولم نخرج منها حتى الآن، يبدو أننا أكلنا من عين تلك السمكة التي أخبرتنا عنها ويا ليتنا لم نأكلها ورحلنا قبل أن نعشق الكويت، خلاصة الحزاية، إن الكويت بها من السحر والمحبة والمودة والجمال ما هو مخفي وراء الصراعات المصطنعة والتذمر الناتج عن كثرة الخير والراحة، فيا أهلي، ديروا بالكم على وطنكم فكلكم قد أكلتم من عين النقرور وليس لكم غير الكويت وطن، وترى النعمة زوالة».
وتسلمون.
المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر الثلاثاء الثالث والعشرون من يوليو 2024 (الرابط الإلكتروني).
عين النقرور (2) - PDF