مشاكل «عافية»

essay image

الأسبوع الماضي فاجأت وزارة الصحة متقاعدي الوطن بإيقاف خدمات التأمين الصحي المُقدم للمتقاعدين، والذي يطلق عليه اختصاراً «عافية»، وكان تبرير الوزارة بأن الشركة المُقدمة للخدمة خالفت شروط العقد، ورفضت التمديد، ورد الشركة الأوليّ، وحسب ما نُشر، بأنها ملتزمة بالشروط، وبعدها ردت الوزارة بأن الشركة طلبت زيادة مالية، المهم الظاهر أن اثنينهم يبون يخلصون من التزامهم، فالشركة، وبعد التعديل الأخير من مجلس الأمة، بإضافة شرائح جديدة، زادت التكلفة عليهم وصارت السالفة ما توفي معاهم، والحكومة ابتلشت بهذا البرنامج، الذي يستنزف سنوياً من ميزانيتها ما يزيد على بناء مستشفى جديد كل عام، والفلوس طايحة في بطن شركة التأمين والقطاع الصحي الخاص، وفوق هذا، الميزانية ستتضاعف خلال سنتين، فالملاحظ، ومنذ تطبيق البصمة الثالثة، وانتشار إشاعات من هنا وهناك عن زيادة العمر التقاعدي، وإلغاء بعض البدلات، أخذ الكثير من الموظفين يشدون الرحال إلى مؤسسة التأمينات الاجتماعية، وكلنا سمعنا وقرأنا عن أن العدد في الأشهر الماضية قد يصل إلى ما يقارب 80 ألف طلب، فأعتقد أن ما حصل ما هو إلا طوق نجاة للحكومة والشركة المقدمة للخدمة أيضاً، كل واحد فيهم وجد حجة يتخلص بها من التزاماته المرهقة، والذي طاح بالنص وتورط هم المستشفيات والعيادات الخاصة، التي أثْرت كثيراً من وراء كرت «عافية»، أحياناً بالحلال، وأحياناً بالحرام البيّن، وعلى حساب صحة المرضى المساكين، وأستغرب بعض ما نُشر عن قرار بعض المستشفيات إعطاء خصومات تصل إلى %50 للمتقاعدين من تكلفة العلاج السابقة، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل تلك الخصومات كانت تُقدم لشركة التأمين سابقاً؟ وإذا كان ذلك، هل هذا الإجراء بين مقدمي الخدمة وشركة التأمين قانوني؟ شخصياً، أنا لست ضليعاً بأمور وآليات التأمين، ولكن أكيد تلك الخصومات تبيّن مدى تضخم تكلفة العلاج على المواطنين، وخلونا نلاحظ أنه ليس كل المواطنين لديهم تأمين صحي، ولكنهم يدفعون الفاتورة كاملة، وأتمنى من وزارة الصحة فتح تحقيق شامل، فموضوع العلاج الخاص يحتاج غربلة وضبط وربط، فكم من مواطن طُلب منه تحاليل وسونار وأشعة وغيرها، وهي لا داعي لها، فقط الهدف أخذ ما يُتخذ من كرت عافية، هذا غير الأدوية التي تُصرف بكميات أكثر من حاجة المريض، وأنا هنا لا أُعمّم، ولكن البعض في هذا القطاع لا يخافون الله، وبتجربة شخصية مع والدتي - حفظها الله - خلال شهر رمضان الفائت، تعبت علينا، وأخذناها إلى المستشفى الخاص الذي تتعالج فيه، ودخلت الطوارئ، وهناك لم يبقَ تحليل إلا وأجروه، ولم تبقَ أشعة وسونار وتخطيط إلا وعملوه، وقبل أن تظهر النتائج، قالوا لنا: «والدتكم مسنة وراح نحولها إلى مستشفى مبارك والإسعاف جاهزة»، وحاولت شقيقتي التفاهم معهم للانتظار لنتيجة الفحوصات، وكان الرد الصاعق: «ما له داعي، لأن المستشفى الحكومي ما يعتمد على فحوصاتنا، وراح يعيدون لها كل الفحوصات»، ردت عليهم وقالت: «حرام عليكم، امرأة كبيرة في السن آذيتوها بالفحوصات، ليش ما بلغتونا من الأول، وبلا تلك المعاناة؟ ولا علشان تنظفون كرت عافية أولاً، وبعدها روحوا مستشفى مبارك؟»، وطبعاً مستشفى مبارك قصة بحد ذاتها، ويكفي موضوع الغرف الخاصة، والتي تحتاج ألف واسطة للحصول عليها، تلك الحادثة حصلت معانا، وما أحد قال لنا، وهذا نموذج لبعض ترهّل المنظومة، وفشل قانون الرعاية الصحية «عافية»، وهو أحد نماذج القوانين العرجاء وغير المدروسة «صح»، والتي تميزت بها مجالس الأمة السابقة.

أخي العزيز معالي وزير الصحة، ومن باب خبرتك الواسعة في القطاع الصحي والعام والخاص، فأنت تعلم أكثر من غيرك أن مستشفيات الحكومة غير مؤهلة الآن لتحل محل المستشفيات الخاصة، على الأقل من ناحية الاستقبال والمواعيد والخدمات، ووعودك للمتقاعدين بإعطائهم الأولوية في العلاج، وفتح عيادات مسائية، كلام جميل، ولكن صدقني وقت الجد سترى الفوضى، لأن المستشفيات أصلاً مزدحمة بالوافدين، كونهم الأكثرية في البلاد، ويمثلون %70 من تعداد السكان، وإلى الآن لم يتم تشغيل مستشفيات الضمان الصحي المخصصة لهم، وبعدين وأنت عارف زين أن أفضل الأطباء المتخصصين يعملون في عياداتهم الخاصة مساءً، ويحصلون على أضعاف أضعاف رواتبهم، فشنو بيخليهم يتركون عياداتهم ويداومون عندك مساءً؟ عزيزي معالي الوزير، ليس لدي أدنى شك بنواياك الطيبة، ولكن تريّث قليلاً قبل أن تصرح وتَعِد المتقاعدين بالخدمة البديلة، خلك صريح معاهم ورتّب أمورك وأمور جهازك الإداري والطبي، وخذ وقتك اللازم، لأن الإصلاح لا يمكن أن يتم في يوم وليلة، وكلنا عارفين أن «الشق عود» بالقطاع الصحي، ويحتاج وقت لإصلاحه، وأهل الكويت يستاهلون الأفضل.

وتسلمون.

المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر الثلاثاء الرابع والعشرون من سبتمبر 2024 (الرابط الإلكتروني)

مشاكل «عافية»PDF