ملتقى الممارسات الوقفية
لطالما كان العمل الخيري والإنساني جزءاً لا يتجزأ من هوية وثقافة المجتمع الكويتي، فنحن في الكويت ولله الحمد جُبلنا على البذل والعطاء منذ نعومة أظفارنا، وإن عُدنا بصفحات التاريخ إلى الوراء لوجدنا أن أولى هذه المساهمات تمثلت بجهود المحسنين في بناء المساجد وتجهيزها على نفقتهم الخاصة كعملٍ من أعمال البر والتقرب لله تعالى، ومنذ ذلك الحين والأوقاف في الكويت تتوالى وتتطور، وبتصرف «فان وبحسب الوثائق فإن أول وقف موثق في الكويت هو مسجد بن بحر والذي يرجع تاريخ إنشائه إلى عام 1695م، وقد تميزت تلك المرحلة بالإدارة المباشرة من قبل الواقفين أنفسهم أو من يُنصبونهم نُظاراً، وفي مرحلة لاحقة أصبحت الأوقاف تتم بمبادراتٍ شخصية عرفت حينها بمرحلة الإدارة الأهلية، وذلك سداً للحاجات المجتمعية كدعم الفقراء واليتامى وغيرها الكثير من أعمال البر والإحسان، ليتم بعدها إنشاء وزارة خاصة بالأوقاف تتولى الشؤون التنظيمية للأوقاف، وفي مرحلةٍ لاحقة جاء إنشاء الأمانة العامة للأوقاف لتضطلع بالمهام الرئيسية في الحفاظ على أموال الأوقاف وحسن استثمارها وإنفاق ريعها وفقاً لشروط الواقفين».
وبالإضافة إلى هذه الجهود الحكومية فإن الكويت تزدان أيضاً بأوقافٍ عائلية كثيرة وواسعة، الأمر الذي يؤهلها للمشاركة في المحافل الدولية وعرض تجاربها المميزة والرائدة في هذا المجال، ومن هذا المنطلق تشرفتُ بتلقي دعوة كريمة من الغرفة التجارية بالمنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية للمشاركة في ملتقى الممارسات الوقفية بدورته الرابعة، تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز آل سعود أمير المنطقة الشرقية، ولا غرابة في ذلك، فالمملكة العربية السعودية تولي عنايةً خاصةً واهتماماً رفيعاً بتطوير الأوقاف وتعزيز دورها التنموي، ويأتي هذا الملتقى في طليعة مبادرات الغرفة التجارية بالمنطقة الشرقية، والتي تهدف من خلاله إلى مناقشة أهم التحديات والممارسات لواقع الأوقاف، وتبادل الخبرات والتجارب المماثلة على مستوى العالم من خلال عرض التجارب الناجحة، وقد أعددتُ العُدّة للمشاركة في هذا الملتقى لتسليط الضوء على الدور الكبير والفعال الذي تقوم به دولتنا الكويت لرعاية الأوقاف والوصايا، ولتقديم تجربة وقف العثمان كنموذج ملهمٍ للأوقاف العائلية ذات الطابع الخيري والمتميز من دون منازع عن بقية الأوقاف بالإدارة المشتركة بين الحكومة متمثلة في الهيئة العامة لشؤون القُصَّر والقطاع الخاص والمتمثل في ورثة صاحب الوقف، هذه الشراكة التي رسمها الوالد في وصيته حينما اختار دائرة الأيتام وصيةً على ثلث ماله كونها جهةً حكومية، ونظراً لأهمية هذه المؤسسة والدور المهم الذي تؤديه منذ نشأتها الأولى في عهد المغفور له الشيخ أحمد الجابر الصباح أمير الكويت آنذاك، وسأرتكز في هذه المشاركة على قراءةٍ ودراسةٍ تحليلية لوصية الوالد -رحمه الله تعالى- والتي كانت حجر الأساس ونقطة انطلاق هذا الوقف، لما تميزت به من حسنٍ في التخطيط وبراعةٍ في التنفيذ ودقة في التصميم، ورؤية ثاقبة حملت بين طياتها دراسة دقيقة لإدارة الثروة والعمل الخيري، لتتحول هذه الوصية فيما بعد إلى عملٍ خيري منظم يُشار إليه بالبنان، وللإشارة أيضاً على الدور الذي يؤديه وقف العثمان تجاه الأسرة من برامج ومبادرات دعم شاملة لأفرادها بجوانب متعددة، وصولاً إلى المجتمع من خلال ما يعمد الوقف إلى تقديمه من دوراتٍ تعليمية وثقافية ومحاضراتٍ وورش عملٍ وحملات توعية صحية تطول كل شرائح المجتمع، وامتداداً إلى التوسع الجغرافي خارج الكويت ببرامج خيرية متعددة الجوانب، مع تسليط الضوء على ممكنات استدامة وقف العائلة من خلال ما يتبعه من استراتيجيات استثمارية وتطويرية تهدف إلى رفع العائد الربحي، وبالتالي ضمان استدامة إيرادات الوقف، والممكنات الإدارية التي ساهمت في نجاحه واستمراره، وبذلك فإن مشاركتنا في هذا الملتقى إنما هي لتأكيد وابراز دور الكويت الريادي في تطوير ورعاية العمل الوقفي، وإتاحة للفرص لتبادل الخبرات والتجارب مع المؤسسات الوقفية في المنطقة، وهذا بدوره يسهم في تعزيز ثقافة الوقف العائلي وتحقيق التنمية المستدامة، وان شاء الله وبعد انتهاء اعمال هذا الملتقى لنا مقال نتكلم عن نتائجه سلباً او ايجابا
وتسلمون.
المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر الثلاثاء الثاني عشر من نوفمبر 2024 (الرابط الإلكتروني).
ملتقى الممارسات الوقفية - PDF