استثمارات هيئة القُصَّر
طالعتنا الصحف بأخبار تفيد بتحويل إدارة الأموال التي تحت يد الهيئة العامة لشؤون القُصَّر والأمانة العامة للأوقاف إلى الهيئة العامة للاستثمار، وكوني قريبا من تلك المؤسسات وعندي اطلاع ولو بسيطا عن آلية الاستثمار لديها بما تحمل من إيجابيات وسلبيات، فارتأيت أن أُدلي بدلوي لربما أُفيد، المهم خلونا نتكلم عن القُصَّر، فأول اطلاع لي على حسابات الاستثمار لديها كان عام 1995 عندما كلفني الأخ العزيز عبدالمحسن المجحم مدير عام الهيئة بذلك التاريخ بإعداد استراتيجية استثمارية، وتطوعاً ومن باب اهتمامي بتلك المؤسسة، قمت بذلك العمل والذي من ضمنه الاطلاع والتحليل الدقيق، المهم ومن باب المنفعة وإيصال الفكرة، سأتكلم بشكل عام عن تركيبة المحفظة الاستثمارية كما كانت عام 1995 والتي قد تكون تغيرت مع الوقت، ولكن قبلها، خلوني أشرح لكم الآلية، فتلك الأموال التي تحت يد الهيئة تُستثمر باسمها تحت مُسمى صندوق الاستثمار الجماعي، أو مُسمى شبيه، ولكن وكما أسلفت، الاستثمار باسم الهيئة مباشرة، وكلمة صندوق قد تعطي انطباعاً غير دقيق، ولكن هدف المشرع عند إصدار قانون إنشاء الهيئة الحرص على الا تتعرض أموال القُصَّر المستثمرة إلى أي مخاطر، وإن كانت أموالاً خاصة، واللي حاصل انه وعند تولي الهيئة الوصاية على قاصر أو أي من المشمولين بالرعاية، تتحول الأموال النقدية فقط إلى هذا الحساب «الصندوق»، أما العقارات فتستمر باسم القاصر أو المشمول بالرعاية وتُدار من قبل شركات مُتخصصة بإدارة العقارات نيابةً عن الهيئة، وناتج النقد بعد تغطية احتياجات القاصر يُحول إلى «الصندوق» لتُستثمر هناك، وتحتفظ الهيئة بنسبة من الكاش والودائع النقدية التي تغطي حركة الدخول والخروج من الرعاية وكذلك احتياجات المشمولين بالرعاية، وداخل الصندوق تتكون الاستثمارات بالدرجة الأولى وبنسبة كبيرة من أسهم بيت التمويل الكويتي، فالهيئة تملك ومنذ تأسيس بيت التمويل نسبة تقارب %9 حافظت عليها طوال تلك السنوات ولها مقعد في مجلس الإدارة منذ التأسيس إلى اليوم، تلك الملكية هي العمود الفقري القوي لاستثمارات الهيئة وهي المصدر الرئيسي لأرباحها، وكما يقال «الأوزة التي تبيض ذهباً»، وهناك ملكيات في شركات اخرى، وكذلك ودائع وصكوك، أما العقارات فتلك لها قصة أخرى، فالهيئة وعلى ما أذكر منذ أواخر السبعينيات دخلت بمشاركات مشاعة مع آخرين في منطقة المسيلة والفنيطيس وكذلك في غرناطة والمهبولة، وذلك قبل تنظيمها من الدولة، ويمكن كان سعر القدم دينارين أو شيئا قريبا من ذلك، المهم بعد عقد ونصف من الزمن تنظمت تلك القطع ودخل بملكية الهيئة الكثير من القسائم السكنية والاستثمارية، مما أعطاها غطاءً ورافداً مالياً قوياً، وعلى مدى سنوات أخذت بتسييل قسم كبير من تلك القسائم من خلال طرحها بالمزاد وحققت أرباحاً خيالية نتاج تلك التصفية، وحولت بعض الناتج إلى نقد واستثمارات عقارية مُدرة سواء بالتطوير أو الشراء، المهم أنه وخلال الـ15 السنة الماضية استطاعت توزيع أرباح نقدية على المشمولين بالرعاية بمعدل تقريبي %13 علماً بأن القيمة السوقية لتلك الاستثمارات قد تفوق قيمه حقوق القُصَّر والمشمولين بالرعاية بكثير، أما بالنسبة لموضوع تكليف الهيئة العامة للاستثمار إدارة تلك الأصول، فباعتقادي المتواضع أن هذا الإجراء سوف يخلق ربكة لكلا الطرفين، فطبيعة عمل الهيئة ينتج عنها دخول وخروج مبالغ وبشكل يومي وشيء ممكن توقعه وآخر لا يمكن، وهذا يتطلب من هيئة الاستثمار توفير المبالغ المطلوبة والتي اداريا قد تأخذ وقتاً لذلك، ولم يسبق أن سمعنا بتأخر مالية القُصَّر في توفير المبالغ المستحقة، ولكن بالتأكيد بدخول طرف ثانٍ سوف يعقد الأمور الادارية والمحاسبية كما اسلفت لكلا الطرفين، عدا عن نقطة مهمة جداً، فكما أسلفت %90 من قيمة استثمارات الهيئة استمارات استراتيجية وطويلة الامد، وتحويلها سوف يكلف القُصَّر قيمة رسوم هيئة الاستثمار والتي تستحق لها من دون عناء يذكر، وشخصياً أعتقد أن هناك حلاً توافقياً يخدم القُصَّر ويحقق رغبة الحكومة بالاستثمار الآمن للقُصَّر، فمن وجهة نظري: فنعم هيئة القُصَّر قد تحتاج أن تُدعم بكوادر جديدة لديها الخبرة الاستثمارية، ولكن قبل ذلك يجب دعم الكوادر الحالية القائمة على الإدارة، ويمكن لهيئة الاستثمار أن تمثل بلجنة الاستثمار بعضو من قبلها او حتى بعضوية مجلس الادارة، ولها أن تراجع وتقر السياسات الاستثمارية، ولها أن تطلع على القوائم المالية والميزانيات الدورية وإبداء الرأي والمشورة للادارة ومجلس الادارة، وبتلك الطريقة تكون استثمارات الهيئة بيد أمينة وبالطريق الصحيح.
وتسلمون.
المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر الخميس الخامس من ديسمبر 2024 (الرابط الإلكتروني).
استثمارات هيئة القُصَّر- PDF