التعامل مع السلبية

essay image

مع بداية العام الجديد، نجد أنفسنا أمام فرصة جديدة لإعادة ترتيب حياتنا وبناء طاقة إيجابية تدفعنا نحو أهدافنا، لكن في هذا المسار، قد نتعامل مع أشخاص يميلون إلى السلبية والشكوى المستمرة، هذا النوع من التفاعل قد يكون تحدياً، لكنه يحمل أيضاً فرصة لتطوير مهاراتنا في الحفاظ على هدوئنا والتأثير بشكلٍ إيجابي على أنفسنا أولاً، ومن ثم على من حولنا، وخصوصاً عندما يتقدم بنا العمر والصحة بشكلٍ عام على المحك، فالواحد منا ما له خلق يضيع يومه بكلام أقل ما يمكن أن نقول عنه «ما يونس»، وكفاية علينا الأخبار اليومية وما تحمل من سلبيات، ولصحة الجميع فودي في بداية هذا العام أن أقدم نصيحة وأنبه عن وضع يعيشه معظمنا يومياً، ونحمله بين أضلعنا ثقلاً من دون أن نعلم مدى تأثيره على القلب والضغط والسكر والمزاج العام، والسلبية عند بعض الناس غالباً ليست خياراً واعياً، بل نتيجة تجارب أو صعوبات لم يتمكن أصحابها من تجاوزها، فيلجأون للآخرين للحديث معهم أملاً في أن يجدوا حلاً لمشكلة ما، أو على الأقل يطلعون اللي في قلبهم مما يشعرهم بالراحة، وللأسف عند بعض البشر تتحول الحاجة للحديث إلى عادة وطبع، ويصير عندهم قضاء للوقت، فيمسكون التلفون ويشكون الحال وينقلون أحاسيسهم السلبية للآخرين، وبعضهم يتفوق على نفسه ويصير خبيراً بالسلبية وأحياناً قاصداً، فإن تحدث بالاقتصاد فالانهيار والإفلاس قادم، وإن تحدث عن الصحة فالأمراض والموت عند الباب كما يُقال، ومن المهم أن نتذكر أن السلبية من حسني النية والتي يعبرون عنها ليست موجهة ضدنا شخصياً، بل وكما ذكرت هي انعكاسٌ لصراعات داخلية يعيشونها، ففهم هذه النقطة يساعدنا على التعامل معهم بمزيدٍ من التعاطف من دون أن نسمح لطاقتهم السلبية بالتأثير على حياتنا، لأن معظمهم ما يقصدون الضرر، والكثير منهم، وكما اسلفت، حسنو النية وطيبون، ولكن ولحماية أنفسنا من التأثير السلبي، يمكننا أن نتخذ خطوات واضحة، أولاها هو الحفاظ على طاقتنا النفسية، وذلك بعدم الانجراف في أحاديث الشكوى والتذمر، ومن المفيد أيضاً محاولة توجيه الحديث نحو الحلول بدلاً من التركيز على المشكلات، هذه الخطوة قد تفتح أمام الشخص السلبي نافذة جديدة لرؤية الأمور بطريقة مختلفة، وفي بعض الأحيان، يكون من الضروري وضع حدود واضحة، وكما يقول الدالاي لاما: «لا تدع سلوك الآخرين السيئ يدمر سلامك الداخلي» إذا شعرت أن شخصاً ما أخذ يستنزف طاقتك باستمرار، وتبدي معاه، وبكل احترام، تقليل الوقت الذي تقضيه معه أو تغيير مسار الحديث إلى مواضيع أكثر إيجابية، وحاول معاه وبقدر المستطاع بأن يترك هذا الطبع عنه، ولكن وفي الحالات التي تصبح فيها السلبية عبئاً كبيراً، وماكو فايدة منه، فالابتعاد عنه أسلم وأنجى، وإذا كان إنساناً مهماً لديك اخذ إجازة منه من وقت لآخر مثلما تأخذ إجازة من الدوام وبعدها الله يعينك عليه، ومن المهم أن نتذكر أن الابتعاد ليس أنانية، فنحن بحاجة إلى إحاطة أنفسنا بأشخاص يدعموننا ويشجعوننا على المضي قدماً، الحياة قصيرة جداً لتُستهلك في علاقات تضعف عزيمتنا أو تقلل من طاقتنا، وهناك نوع آخر من الأشخاص السلبيين، وشخصياً أعرف منهم وايد، وهذا النوع اللي ما يقولك شنو مزعله وما تعرف شنو في باله، ويمكن تفقده لأسباب انت مالك علاقة فيها، ولكن أحياناً الصمت يساوي الثرثرة بالمضرة، والكثير من تلك الفئة الصامتة عندهم طبع أخذ الخبر أو الحديث من طرف واحد، وهذا نسميه بعاميتنا «المسيمعي» فيتصرف بموجبه ويتغير عليك وقد يتخذ مواقف ضدك، وكل ما تسأله: شفيك؟ يقول: ما كو شي، زين، ليش زعلان؟ يرد عليك: مو زعلان، مثل هؤلاء الناس يتربعون على قمة هرم السلبية وما أقول إلا الله يهديهم ترى والله مو خوش طبع، المهم مع بداية هذا العام، دعونا نركز على أن نكون مصدراً للإيجابية لأنفسنا وللآخرين، بدلاً من الاستسلام للسلبية من حولنا، يمكننا أن نسعى لنكون قدوة في الأمل والتفاؤل، العام الجديد هو فرصة للنمو والتغيير، فلنستغلها لنعيش بسلامٍ داخلي ونساعد الآخرين على رؤية الجمال في الحياة.

وتسلمون..

 المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر الثلاثاء الحادي من يناير 2025 (الرابط الإلكتروني).

التعامل مع السلبية - PDF