دفتر الدّلال
كثيراً ما يستوقفني مصطلح (Aftermath) أو كما يُمكن ترجمته بالعربية «الأثر ما بعد الحدث»، فنجد محللي الأخبار السياسية والمالية المحنكين يتجاوزون الحدث القائم بالنظر إلى ما هو قادم نتيجة هذا الحدث، سواء كان قراراً أو حرباً أو حوادث، فما يأتي بعد الحدث أشد وطأةً وأعقد مما هو حادث في وقته، فتصور سيناريوهات نتائج المستقبل ودراستها بدقة قبل اتخاذ أي قرار، وبشكلٍ موضوعي وشامل ومن دون عواطف، وإشراك المستشارين والخبراء المتناقضين بالنصيحة، يُقلل المخاطر ويؤدي إلى القرار الأقرب للصواب والمصلحة، وفي هذا المقال أتكلم عن فن صياغة القانون والقرار، وأستعمل كلمة «فن» لأنه فعلاً فن، فالقانون المُحكم والمدروس جيداً يصبح كاللوحة الجميلة خالية العيوب أو كالشعر المحكم القوافي، أما الملخبط فينتج عنه لوحة مشوشة وشعرٌ ركيكٌ لا تُفهم معانيه، ومجالس الأمة السابقة، وخصوصاً بعد التحرير، غلب عليها طابع سلق القوانين ذات الطابع الشعبوي العاطفي المليئة بالمثالب، والتي يصعب على الجهاز الحكومي تنفيذها وتسبب إرباكاً للمواطنين، علاوةً على تأثيرها السلبي في الاقتصاد، كذلك بعض قرارات الوزارات أحياناً تكون غير مدروسة أو غير جاهزة للتطبيق، يطبقونها على المواطنين، بعضها ينجح لأنه صحيح، وبعضها أيضاً يمشي لأن المواطن ما بيده شي، ولكن الأخطر هو القرار الذي يدخل مصالح الناس بعنق الزجاجة كما يُقال، وراح أتكلم عن قوانين وقرارات عدة كمثال ونصيحة، وآمل أن تلقى قبولاً من المسؤولين، ونبدأ اليوم بقرار وقف العمل بدفاتر الدلالين الورقية، واستبدالها بالدفتر الإلكتروني ابتداءً من ٢ يناير من هذا العام، وكان لي اتصال مع صديق الثانوية الأخ العزيز محمد شهاب والذي امتهن السمسرة منذ أكثر من عقدين، وهو من خيرة من عمل بتلك المهنة وسألته: وينك، قال لي: قاعد بوزارة التجارة أعابل مع السيستم الجديد، مو راضي يسجلني وشغلي كله واقف، ورديت عليه: هذا النظام بلا شك متطور وصحيح ويحفظ حقوق البائع والمشتري ويضبط إيقاع السوق ويحميه من التلاعب، ورد عليّ وقال: عدل كلامك، ولكن المشكلة بدأت عند التطبيق، حيث عجز الكثير من الدلالين عن إنجاز صفقاتهم من خلاله، وأعتقد أن صفقة واحدة فقط نجحت باستعمال هذا النظام، مما اضطر مجموعة من السماسرة لرفع تظلم إلى وزارة التجارة، وفيه كل الموضوع وراح أرسله لك، رديت عليه: الله يعينك، طول بالك كل شي له حل، وإن شاء الله المسؤولين يتداركون هذا الأمر، وعلشان نشرح الموضوع عدل وبتصرف أنقل وجهة نظر السماسرة كما جاء في مسودة التظلم، «إذ إن القرار الوزاري رقم 234 لسنة 2024 والذي أصدرته وزارة التجارة، ألزم السماسرة باستخدام دفتر السمسرة الإلكتروني بدلاً من الورقي، ومن حيث المبدأ فإن هذا القرار يعكس تطوراً منطقياً يهدف لتعزيز الشفافية وحفظ حقوق البائع والمشتري وضبط السوق العقاري والحد من التلاعب، لكن مع بدء التنفيذ، ظهرت تحديات كبيرة كشفت أن القرار لم يكن مهيأً بشكلٍ كامل للتطبيق العملي، وأبرز هذه التحديات إلزامية استخراج شهادة الأوصاف قبل إبرام العقود الابتدائية والتي أصبحت تشكل عقبة كبيرة، إذ يتطلب استخراج هذه الشهادة وقتاً طويلاً قد يمتد لأسابيع، مما يؤدي إلى تعطيل عمليات البيع والشراء وزيادة التكاليف على جميع الأطراف، كما أن القيود الإدارية المرافقة للنظام الجديد أسهمت في تأخير تسجيل العقارات وتسببت في إرباك السوق، ورغم الأهداف النبيلة للقرار، فإن التطبيق العملي وضع العديد من الوسطاء والمواطنين في موقف صعب»، وقد طالب السماسرة في تظلمهم بإبقاء دفاتر السمسرة الورقية لفترة انتقالية تُمكّنهم من التكيف مع النظام الجديد وأعتقد أن مطلبهم هذا معقول جداً ويستحق النظر به، فمع تقديم دعم فني وتسهيلات تدريبية لتسريع عملية التكيّف ومع الربط الآلي مع البلدية لإصدار شهادة الأوصاف بطريقة أسرع مما هي عليه، وكذلك مع قوة الإطفاء لأن نقل العقارات الاستثمارية والتجارية تتطلب شهادة من الإطفاء، يعني القصة تحتاج إلى تطوير إداري وتقني بسيط بين كل الأطراف، تُسهل على المواطن وتطور آليات عمل السوق وكذلك وكما أسلفت تدريب السماسرة وكذلك الكوادر المرتبطة بهذا الأمر والعمل بالنظامين لفترة محدودة سوف ينهي تلك المشكلة بكل سهولة، وفي مقال قادم لنا وقفة مع قانون وقرار آخر.
وتسلمون.
المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر الأربعاء الثالث والعشرون من يناير 2025 (الرابط الإلكتروني).
دفتر الدّلال - PDF