كتب عن هذا المحسن الكثير من الكتاب ونورد على سبيل المثال وليس الحصر بعض ما ذكر عنه حيث ورد فى (مجلة الهوية: الغرسة الثالثة عشرة) من ص31 حتى 34 والتي تصدر كل شهرين عن الديوان الأميري–مكتب الشهيد بدولة الكويت– مثالة بقلم المؤرخ/ أحمد بن محارب الظفيري:

علـم مـن الكويـت
فـي أعمالـه الخيـرة *  * * * وعلـى ألسنـة النـاس
عبدالله بن عبداللطيـف العثمان
الذكـر للإنسان عُمـر ثـان

إن استمرار جريان سيرة أجواد الأمة من السلف لصالح على لسان الخلف من الأبناء والأحفاد ، يترك عظيم الأثر في مسيرتها ووحدة هدفها وتعزيز قيمها ، بما يحفظ لها هويتها ويجنبها مخاطر نسيان تقاليدها الكريمة.

ونحن لا نزعم بأن بابنا (علم من الكويت) يضيء كامل السيرة الذاتية لأي من أعلام الكويت لكنه لفتة إلى ميزة وعودة إلى قيمة وتذكير بجواد.

كلما وقع القارئ على ذكر أو أثر للمحسن المرحوم / عبدالله بن عبداللطيف العثمان تقفز إلى ذهنه الصـورة المشرقـة للأخلاق العربية الكريمة التي توارثها العرب عبر تاريخهـم وأدبياتهـم والتي مازالت – والحمد لله – مستمرة وباقية إلى يومنا هذا..

إن الباحث المدقق يجد الشيم والقيم العربية السامية واضحة وضوح الشمس عند أبناء البادية والحاضرة فـي الجزيرة العربية أشاد بها الشعراء وتغنى بها الركبان وتحـدث بها السمار في دواوينهم وتناقلتها الأجيـال جيلاً بعد جيـل ، وكانت إلى عهد قريب هي المؤثر والحاكم لتصرفاتهم ومعاملاتهم فيما بينهم وهى المكون الأساسي والمثالي للشخصية العربيـة قديماً وحديثـاً ، يشهد على ذلك واقع الأمة الحالي وتاريخها القديم.

وعلمنا الذي نتكلم عنه هو: عبدالله بن عبداللطيف ابن عثمان (توفى 1965) – يرحمه الله – أحد رجالات الكويت ذاع صيته بالكرم وأعمال الخير وهو أديب وشاعر أسس من ماله الخاص عددا من المساجد في الكويت أهمها وأكبرها مسجد العثمان في حولي ، وبعد وفاة هذا العلم المتميز بالأخلاق الفاضلة والعلم الغانم كافأته الدولة بإطلاق اسمه على أحد الشوارع وهو يستحق الكثير من التخليد والتمجيد لأنه استاهله عن جدارة.

وأسرة العثمان الذي ينتمي لها هذا الرجل الكريم ترجع بنسبها إلى قبيلة (سبيع) القاطنة في وسط نجد وفى المنطقة الشرقية من جزيرة العرب ولقد أنجبت هذه الأسرة العربية الكريمة الكثير من نواخذة البحر وملاك السفن يوم كانت هذه السفن هي أساس المال والاقتصاد وواسطة نقل التجارات والبضائع ولقد برز منها ربابنة سفن كثير أجادوا صنعة ملاحة البحر وتملكوا السفن الشراعية الكبيرة شأنهم شأنه إخوانهم الآخرين من عرب الخليج الذين تسيدوا البحار فشهد بحقهم وتفوقهم في مهنة البحر الغربيون أصحاب الأساطيل والوكالات البحرية فأطلقوا عليهم اسم (بـدو البحر) (Bedouins OF The Sea) لأنهم بالأساس جاؤوا من الصحراء العربية فقطنوا البنادر (الموانئ) والفرض – جمع الفرضة – الواقعـة علـى سواحل الخليج العربي فتعلموا مهنـة البحر وأجادوا غاية الإجادة فأصبـح البحر مصدر رزق لهم ولمجتمعاتهم.

وعلمُنا الذي نتكلم عنه (عبدالله بن عبداللطيف ابن عثمان العثمان) هو من هؤلاء الرجال الأفذاذ ولد سنة 1895 وتربى في بيت والده تربية عربية إسلامية ودخل المدرسة في وقت مبكر فتعلم القراءة والكتابة والحساب وعلوم الدين ، ثم فيما بعد مارس مهنة التدريس ومهنة الغوص على اللؤلؤ والتجارة بواسطة السفن التي يملكها والده وبعد ظهور النفط وكساد تجارة اللؤلؤ التحق بالوظيفة الحكومية ومارس مهنة تجارة الأراضي والعقارات وعرف عنه أنه من أصحاب الحظ والفال الحسن فإذا وضع يده على قطعة أرض واشتراها من صاحبها تحولت بمشيئة الله إلى ذهب حيث يرتفع سعرها وتزداد قيمتها الشرائية مضاعفة حسب سعر السوق وكذلك إذا بني العقار وأصبح جاهزاً للبيع ازداد سعره وكثر طلابه وهذه أمور لا دخل له بها ، ولكنها من فضل الله يؤتيها من يشاء وكان هذا التاجر الكريم من الذين يخافون الله في السر والعلن ، إنه من أجواد العرب لم يبخل بماله ومال أولاده فجعل لليتيم والفقير وللمحتاج حقاً في ماله عن طيب خاطر لذلك وجب علينا أن نترحم عليه ونقرن اسمه بالثناء العاطر الذي هو قليل بحقه فهو علم بارز في زمانه ، يذكرنا بشيم العرب وأخلاقهم الفاضلة التي قرأناها بالتاريخ العربي الإسلامي على امتداد العصور.

[ مـن الذكريـات حـول عبدالله العثمـان ]

أذكر في الستينات من هذا القرن أن اسم هذا الرجل الفاضل كان يتردد كثيراً بين عشيش أبناء البادية في جليب الشيوخ والفروانية والجهراء والأحمدي وداخل الديرة وحتى في الصحراء ، ففي ذلك الزمان يوم كانت أحوال الناس المعاشية بسيطة والمال قليل كان ابن عثمان يوزع زكاته وصدقاته في تباشر الفقراء والمحتاجون وأبناء السبيل من أهل الكويت والقادمين للكويت بهذه الأخبار فتتوجه مجاميع البشر إلى مكان هذا الرجل الكريم من كل حدب وصوب ثم ترجع من دكانه ومن بيته وهى تحمل الروبيات في جيوبها والكل يدعو له بالخير وحسن الخاتمة فكم من بدوي سمعته يقول:

(الله يجعل آخرة ابن عثمان الجنة).

واذكـر أحاديث بعـض جماعتنا الذين كانوا بالشرطة وحرس الأسواق في ذلك الزمان كان الواحد منهم يقول:

بأنـه كان موزعاً عند بيت أو محل عبدالله بن عثمان لينظم البشر القادمين إليه لتسلم الزكوات والصدقـات وبعض هؤلاء الشرطة أو الحرس يقول : ناداني ابن عثمان وأعطاني بعض المال فرفضت ذلك قائلاً بأني موظف حكومة أؤدي واجبي ولا أستحق الزكاة ولكنه رحمة الله عليه يرفض عذري ويصر على استلامي قائلاً لي : "..إن معاشك يا ولدي قليل وأنت صاحب عائلة وأرجو أن تأخذ مني هذا المبلغ.." وعندما أخذه منه يرتاح ويستبشر وأما في هذا الزمان فإني أقرأ في الجرائد أخباراً مكتوبة عـن (لجنة زكـاة العثمان) وأظنها استمراراً باقياً لزكاة ابن عثمان وصدقاته تلك التي كان يعطيها بيده أيام زمان يوم كان حياً على الدنيا – رحمة الله عليه – فكانت نفحاته تبل العروق وتطفئ الظمأ وتحث على مكارم الأخلاق.

[ أعمالـه الخيريـة وألسنـة النـاس تشهـد بحقـه ]

جاء في كتاب (إمارة الزبير بين هجرتين – الجزء الثالث) لمؤلفيه عبدالرزاق عبدالمحسن الصانع وعبدالعزيز عمر العلي في الصفحة 34 ما نصه: (مسجد المنتفك: يقع شمال غربي البلدة "بلدة الزبير" في محلة العرب أسسه الحاج عبدالله عبداللطيف العثمان التاجر الكويتي وكان يرعاه في الآونة الأخيرة الشيخ/نجم السعدون-شيخ قبائل المنتفك) وذكرا في الهامش: (حدثنا السيد/عبدالعزيز سعود البابطين ، يروي عن المرحوم الحاج/محمد سليمان العقيل بأنه:...قام بجمع تبرعات من الزبير والكويت لبناء هذا الجامع ، ولما اتصل بالمرحوم الحاج/عبدالله عبداللطيف العثمان وأخبره بأنه جاء لجمع ما تبقى لبناء هذا الجامع سأله الحاج/عبدالله عن تكلفته فأجابه بإثنى عشر ألف دينار فأعطاه شيكاً بذلك على أن يرجع ما جمعه أو يستعمله في مشروع آخر ، لكن المشروع تأخر لأسباب روتينية لست سنوات تغيرت بعدها الأسعار فصارت التكلفة بثمانية عشر ألف دينار ، وروجع الحاج العثمان في ذلك فزاد المبلغ وفى خلال الإنشاء توفي المحسن رحمه الله سنة 1385هـ.

ونحن نقول: أن الشيخ/نجم بيك بن عبدالله بيك بن فالح باشا السعدون شيخ عربان المنتفك – رحمة الله عليه – كان يتحدث في تلك الفترة أيام بناء المسجد عن المحسن الكبير الحاج/عبدالله بن عبداللطيف العثمان حديثاً مفعماً بالحب والتقدير والاحترام لهذا الرجل ، فهو يقول: "...بعد انقلاب تموز 1958م صودرت أراضينا فنزلت في مدينة الزبير ، وبنيت بيتي فيها وسكن حول بيتي أعداد كبيرة من جماعتي عرب المنتفك وكانت المساجد بعيدة عنا ففكرنا ببناء مسجد في محلتنا ولكن هذا الأمر يتطلب الكثير من المال فتكلمت مع الأخ الفاضل/محمد بن سليمان العقيل وهو من الشخصيات النجدية الكريمة المعروفة في الزبير بخصوص بناء المسجد فوعدني خيراً وفعلاً باشر الأخ محمد العقيل – رحمة الله عليه – بجمع المال من أهل الزبير وبعد مدة من الزمن اتصل بعبدالله العثمان واخبره بموضوع مسجد المنتفك وطلب منه المساعدة ولكن هذا الرجل الكريم تبرع ببناء المسجد كاملا على نفقته الخاصة ورفض أن يشترك معه أحد في هذا المشروع الخيري ، فجزاه الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء...".

ويستطرد الشيخ نجم السعدون في حديثه قائلاً : لقد زارني الحاج/عبدالله العثمان مع الأخ محمد العقيل عدة مرات وكنت أعمل له في كل زيارة يزورني فيها وليمة كبيرة أذبح فيها عددا من الخراف وأعزم عليها أعيان أهل الزبير ويحضرها الكثير من أفراد قبيلتي هدفي من ذلك إكرام هذا الرجل واستقباله بما يليق بمكانته فأمثاله قليل في هذا الزمان وأخبرني الأخ محمد العقيل بأن عبدالله العثمان بني مساجد كثيرة في العديد من البلدان العربية والإسلامية وكان إذ سافر إلى لبنان في الصيف يتفقد مسجده هناك ويصرف على إصلاحه وتعميره وكان اللبنانيون القريبون من محل سكناه يترددون عليه طلباً للمساعدة ، وكان يعطي كل فقير ومحتاج يمد يده إليه فهو لا يفرق بين البشر ففي كل ذي كبد رطبة أجر ، هكذا كانت نظرته، ولنسمع ما يقوله الرجل الفاضل الكريم محمد بن سليمان العقيل هذا العالم النجدي البارز صاحب الأخلاق الراقية الذي لا يمل جليسه وهو بالكرم شبيه بصديقه عبدالله العثمان ، يقول عن صديقه عبدالله العثمان: في إحدى المرات سألني أخي وصديقي عبدالله العثمان عن العوائل الفقيرة من أهل الزبير فقلت له : نعم توجد عوائل فقيرة ولكنها متعففة ، ولا تقبل أن تطلب من أحد ، فقال لي : يا محمد ، يا أبا قاسم خذ هذا المبلغ من المال ، ووزعه عليها ولا تذكر اسمي وكان مُصراً على هذا الأمر ، فأخذت المال منه وقسمته على هذه العوائل حسب تعداد أفرادها ، ووضعت حصة كل عائلة في ظرف وقديماً قالت العرب: (الذكر للإنسان عُمر ثان).