الرهن العقاري.. ورطة أم فرصة؟

essay image

استكمالاً لسلسلة جودة القوانين والقرارات ومدى استقرائها لما بعد التطبيق، يأتينا هذه المرة مشروع قانون الرهن العقاري، والذي نُشرت بعض ملامحه في الصحف، ويتلخص المشروع في تحويل عبء تمويل المواطنين المستحقين للرعاية السكنية من مظلة بنك الائتمان الحكومي إلى البنوك المحلية، مع زيادة الحد الأعلى للقرض إلى ٢٠٠ ألف دينار لمدة ٢٥ عاماً، بفائدة صفر على أول ٧٠ ألفاً، والمتبقي بفائدة %2 فوق سعر الخصم المُعلن من البنك المركزي، مع ربط حد سداد بما لا يزيد على %50 من راتب المقترض، ولست متأكداً إذا كان كامل القرض بضمان الحكومة تجاه البنوك أو فقط أول ٧٠ ألفاً، المهم أن الكثير كتب وتكلم وحلل وتوقع عن هذا المشروع، ولكنني سأتحدث عنه من زاوية أخرى، فالواضح أن الهدف الأساسي من هذا المشروع رفع العبء عن ميزانية الدولة وتحويله إلى الدائرة والدورة الاقتصادية والتمويلية في الاقتصاد المحلي والقطاع الخاص، والمتمثل في هذه المرحلة بالمصارف المحلية والمؤسسات المالية ومصادرها التمويلية، مما قد يخلق محفظة متنامية الحجم وبوقت قياسي، خصوصاً إذا استطاعت الدولة توفير الأراضي لمستحقي الرعاية بوتيرة متسارعة، وباعتقادي المتواضع، خلال ١٠ سنوات وبحسبة بسيطة متحفظة، لو تم تمويل %70 من أصحاب الطلبات الإسكانية والبالغة ١٠٠ ألف طلب، وبتمويل معدل ١٥٠ ألف دينار فستصبح المحفظة بحجم يوازي ١٠ مليارات دينار، وستستمر بالنمو بقدر توفير الدولة للأراضي وزيادة مستحقي الرعاية، كما أسلفنا أعلاه، طبعاً البنوك ولتغطية هذا النمو المطرد سيُطلب منها زيادة رؤوس أموالها تباعاً، وهذا قد يؤثر سلباً في نمو نسب توزيع الأرباح على المساهمين، وكذلك قد يُجهد ميزانيات المساهمين الكبار ذوي الحيازات الاستراتيجية في ملكيات تلك البنوك، مما قد يدفع المؤسسات المالية للاقتراض من خلال إصدار السندات والصكوك، والتي قد تصل معها إلى حد يتطلب بيعها في السوق الثانوي أو إدراجها في سوق السندات حتى تكون ضمن النسب المالية التي يفرضها البنك المركزي، طبعاً، مع الوقت ومتطلبات العرض والطلب قد نرى شيئاً مماثلاً للرهن العقاري الذي تورطت به البنوك الأمريكية فهي سندات بضمان رهون عقارية ضعيفة الملاءة، وقد يقول قائل إن تلك قروض جيدة تعتمد في السداد على رواتب مستقرة توفرها الدولة لموظفيها، وردي عليه: إذا كنت اليوم تُقرض مقابل %50 من راتب الموظف، وبافتراض أنه ليس لديه التزام ائتماني آخر مثل قسط سيارة أوغيره، فهل تم حساب نسب التضخم المقبلة خلال ٢٥ سنة؟ وهل هناك دراسة غطت هذا الموضوع تبين التضخم مقابل زيادة الرواتب خلال ٢٥ سنة؟ وهل بعد عقد من الزمان يكون المتبقي من راتب المواطن كافياً لتغطية التزاماته ومعيشته ومعيشة ابنائه؟ وهل تم حساب الوضع عند تطبيق ضريبة القيمة المضافة وإعادة تسعير الخدمات والدعوم؟ وكما قرأنا في الصحف، فإن فائدة البنوك أو أرباحها سوف تُحدد %2 فوق سعر الخصم وتُراجع كل خمس سنوات، بمعنى أن هناك احتمالاً وإمكانية للبنوك بزيادتها، وكذلك سعر الخصم، فحركته صعوداً أو انخفاضاً أمر تحكمه السياسة المالية للبنك المركزي فهل أخذ ذلك بالاعتبار، والسؤال هنا: هل الحكومة سوف تضمن كامل القرض تجاه البنوك؟ فإذا كان الجواب نعم، فنسبة %2 مرتفعة جداً، مقابل قروض ذات غطاء حكومي، والمفترض ألا تزيد على %0.5 وإذا كان غير ذلك، فالله يعين المقرض والمقترض بعد عقد من الزمان، بمعنى لا تورطوا الناس بقروض طويلة الأجل، خصوصاً أن العديد منهم من البسطاء من ناحية الدراية المالية، ناس ملّت تنطر البيت وراح تدخل وكما يقال، «القرقور» وتتورط، وراح تتورط معهم البنوك إذا لم تؤخذ كل المعطيات السابقة في الحسبان، خصوصاً التضخم مقابل زيادة الرواتب، وعندي حل ونصيحة، الحل ويمكن ما يعجب الكثير من المواطنين وإن كان في مصلحتهم، هو أن ترجع الدولة لنظامها القديم ببناء المدن الإسكانية وتوزيع المنازل على المواطنين مثلما تم توزيعها في القادسية والروضة وبيان والقرين وغيرها من المناطق، وكان هناك تنوع من المنازل لمتوسطي الدخل ومحدودي الدخل، وهناك قسائم وقروض لمن هو مقتدر على ذلك ومستعد لانتظار دوره، والحل الثاني هو تغيير نسب البناء في المناطق الجديده لتكون %120 وعلى دورين، بمعنى أن القسيمة بمساحة ٤٠٠ متر² تكون مساحة البناء فيها ٤٨٠ متراً² بمعدل ٢٤٠ متراً² لكل دور، وهذا كافٍ لأسرة عدد أفرادها ٨، وتكلفتها لن تزيد على ٩٠ ألف دينار، فقرض الحكومة ٧٠ ألفاً، إضافة إلى الدعوم الإنشائية يكفيان ويزيدان، ونصيحة من القلب لكل مواطن: إذا تم تطبيق القانون كما هو، ابنِ بيتك على قدك وقد ميزانيتك ولا تغرق نفسك بالديون تري راح تتحسف وتندم كثيراً، ومثل ما قالوها الأولون «الدين عمات عين».

وتسلمون. 

المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر الأربعاء الثاني عشر من فبراير 2025 (الرابط الإلكتروني).

الرهن العقاري.. ورطة أم فرصة؟ - PDF