رمضان.. شهر التجديد
ها قد أقبل علينا شهر رمضان المبارك، هذا الضيف السنوي الذي يزورنا محمّلًا بالبركات، مانحاً لنا فرصة ذهبية لإعادة ترتيب الفوضى التي زرعتها الحياة في داخلنا، ولكنه وللاسف عند البعض يتحوّل إلى موسم للخمول، حيث تتبدل الحياة بين سفره الطعام وأريكة التلفاز، وكأن الشهر دعوة مفتوحة للكسل والتخمة، بدلًا من أن يكون محطة للارتقاء الروحي والجسدي، ودافعاً لتعزيز النشاط والإنتاجية، فرمضان ليس شهر الخمول، بل فرصة لتهذيب النفس وترويضها على الصبر والعطاء، وهو اختبار للإرادة والعزيمة، وليس ذريعة للتراخي والكسل في أداء الواجبات اليومية، أما إذا تكلمنا عن الموائد والصحة، فنحن أمة تحب الكرم، لكنه كرم أحياناً ما يخرج عن مساره، فترى الموائد وكأنها سفرة ألف ليلة وليلة، بينما الجسد لا يحتاج إلا لقليل من التمر والماء وبعض التوازن بالأكل، فالصيام فرصة لإعادة ضبط العادات الغذائية، لا لأن يتحوّل إلى حفلة طعام مؤجلة لما بعد أذان المغرب، فالمعدة التي كانت مرتاحة لساعات تُفاجأ بكميات هائلة من الطعام، ما يؤدي إلى التخمة والكسل، بدلًا من النشاط والخفة، إذاً فما الحل؟ الاعتدال وعدم الإسراف، وعن الصيام والرياضة، فهما رفيقان لا عدوان، فالصيام ليس عذراً لترك الحركة، بل هو فرصة لتعويد الجسد على نمط صحي متوازن، فالمشي قبل الإفطار بنصف ساعة كفيل بأن يوقظ الجسد بلطف، والتمارين الخفيفة بعد الإفطار تساعد على الهضم وتنشيط الدورة الدموية، ومن المفارقات الغريبة عند البعض، النوم أغلب ساعات النهار واستهلاك الوقت الطويل ليلاً في متابعة المسلسلات، والتحجج في الوقت عينه بالتعب الشديد لممارسة أي نشاط بدني، أما عن العمل والصيام، فرمضان ليس فقط فرصة لتصفية الجسد والروح، بل هو اختبارٌ حقيقي للإخلاص والانضباط في العمل، فالعمل المتقن في رمضان هو من صميم العبادة، وديننا الحنيف لم يعلّمنا أن نأخذ رمضان كإجازة، بل كفرصة لمضاعفة الأجر، وهذا يشمل الأمانة في العمل، والتفاني في الإنتاج، فالحياة والعمل لا يتوقفان لأننا صائمون، والعجلة الاقتصادية يجب أن تستمر، بل إن الإخلاص في العمل خلال رمضان قد يكون سببًا في زيادة البركة والنجاح، ويجب التذكير أن الصيام ليس فقط عن الطعام، حاول هذا العام أن تصوم عن الضغينة كما تصوم عن الطعام، أن تراقب كلماتك كما تراقب موعد الإفطار، وأن تتقن عملك كما تتقن عبادتك، حينها فقط ستشعر بحلاوة رمضان الحقيقية، التي لا تأتي من القطايف والكنافة، بل من صفاء القلب، وخفة الروح، وإتقان العمل، فشهر رمضان نقطة تحول لا موسم زيادة وزن وخمول، بل موسم استعادة العافية والإنتاج، فالجسد أمانة، والصحة نعمة، والرياضة صحه ومتعه، والإخلاص في العمل هو طريقك إلى التقدم، فكما تهتم بطعامك، اهتم بحركتك، وكما تصلي بخشوع، اعمل بإتقان، وليكُن هذا الشهر فرصة تتجدد سنوياً لتكون نقطة انطلاق نحو نمط حياة أكثر صحة وإنتاجية.
بعد التحرير، شهدنا في الكويت تساهلاً تدريجيًا من بعض المؤسسات وبعض الأفراد، حيث بدأ الأمر بغض الطرف عن المخالفات الصغيرة والفوضى العابرة، حتى أصبح التغاضي عن الكبير منها أمرًا مألوفاً. هذا التهاون أدخل وطننا في دوامة من التجاوزات ، تفاقمت مع مجالس طغت على بعضها المصالح الشخصية والضياع، فتحول بعض أدائها إلى أوركسترا تعزف أنغاماً نشازاً، تطرب البعض منهم. ومن مظاهر الفوضى التي كادت تصبح تقليدًا، تحولت الاحتفالات الوطنية بالعيد الوطني والتحرير من مناسبات تجسد الفخر إلى أيام للتسلية المشوبة بمخالفة القانون. كانت الشوارع تعج بالتراشق بالماء والبالونات، وإتلاف الممتلكات، والتعدي على حقوق الآخرين، فضلاً عن هدر الموارد العامة وتراكم المخلفات والإصابات. لكن، بحمد الله، بدأت هذه الصورة تتغير بشكل ملحوظ وسريع. وقد شهدت احتفالات هذا العام عودة الضبط والربط، مع تطبيق صارم للقانون، إلى جانب فعاليات راقية أسعدت المواطنين والمقيمين على حد سواء، واختفت الفوضى، واستبدل بها فرحة منظمة تعكس حضارية المجتمع. فشكرًا لأميرنا المفدى، حفظه الله ورعاه، على قيادته الحكيمة، وشكرًا لأجهزة الدولة على جهودها الجبارة، وشكرًا لأهل الكويت الذين استحقوا هذه الفرحة بجدارة...
وتسلمون.
جريدة القبس في عددها الصادر الثلاثاء الرابع من مارس 2025 (الرابط الإلكتروني).
رمضان.. شهر التجديد - PDF