بالتوفيق يا عبدالله

essay image

تمضي السنون بسرعة مذهلة، كأنها لمح من بصر، هكذا هي الدنيا، وشكراً على ما أعطى الله وما أخذ، وها هو عبدالله، سبطي الثاني، الذي كان صغيراً بالأمس، يكبر اليوم ويُنهي الثانوية ويشد الرحال إلى الولايات المتحدة، حاملاً معه حلماً راود طفولته منذ سنوات طويلة. منذ نعومة أظفاره وهو يحمل في داخله حلم الدراسة في أمريكا، لكن الظروف ساقته أولاً إلى بعثة بريطانيا المتميزة والتي تعثرت على %0.04 فقط بسبب جمود اللوائح بوزارة التعليم العالي والتي كانت رغبة والديه، ولكنه فلت منها، ومع ذلك، لم تتوقف مسيرته، عبدالله الذي ألهمني بكتابة الكثير من مقالاتي مثل «ميسن» و«عبدالله وترامب»، ها هو يفتح صفحة جديدة في حياته بين يدي القدر، وأذكر جيداً يوم سألني، وكان صغيراً لم يتجاوز عمر الطفولة، قبل فوز ترامب في دورته الأولى: «هل سيكون ترامب طيباً معنا؟» كان القلق بادياً على ملامحه البريئة، فشرحت له يومها أن الكويت محفوظة بحكمة قادتها وبعملها الصالح، وأن ما عند الله لا يضيع، وقلت له: «خلّك بالكرة واترك السياسة للكبار»، واليوم، ذلك الطفل الذي كان يسأل عن ترامب أصبح شاباً صالحاً، لطيفاً، مجتهداً، صاحب روح مرحة وفكاهة خفيّة غامضة احياناً، لكنه مثل كثير من الشباب، يؤجل كل شيء إلى آخر لحظة، وها هو يستقر في شيكاغو، مدينة كبيرة قد تفوق عمره، لكنها مناسبة لطموحه بدراسة ريادة الأعمال، حيث ان فرص التدريب الميداني في المدن الكبرى تكون أوفر وأكثر تنوعاً، ومن لطف الله أن خاله يدرس في نفس المدينة، وهذا مصدر طمأنينة له ولأهله، خصوصاً أنه حصل على الفيزا الأمريكية في آخر لحظة، قبل يوم واحد فقط من بدء الدراسة، ورغم فرحته، فإن الحنين يغلبه على أصدقائه الذين تفرّقوا: واحد في نيويورك، وآخر في لندن، وثالث حُرم من الفيزا فحوّل إلى مانشستر. هذا التفرق طبيعي في رحلة الغربة، فالغربة ليست سهلة، وأنا أعلم ذلك جيداً، فقد مررت بها، فهي صعبة على الشاب، وأصعب على أهله، لكن فيها تجارب تصقل الشخصية وتفتح المدارك، ولكن المشكلة أن شبابنا أحياناً يظنون أنهم كبار ويفهمون كل شيء، ومع اندفاعهم قد يقع بعضهم في أخطاء كان يمكن تجنّبها لو حصلوا على التوجيه الصحيح قبل السفر، وهنا تكمُن أهمية الإعداد المسبق والتأهيل النفسي والثقافي، لذلك أتمنى على وزارة التعليم العالي أن تعيد النظر وتُدخل برامج تثقيفية للطلبة في آخر سنوات الثانوية، تبدأ بتعريفهم بقوانين الدول التي قد يسافرون إليها وثقافتها، مروراً بشرح مبادئ الدراسة الجامعية وكيفية اختيار التخصص الذي يناسب قدراتهم وميولهم، وانتهاءً بتوضيح مخرجات كل تخصص وفرصه في سوق العمل المحلي والعالمي، إضافة إلى توزيع كتيبات أو إنتاج مقاطع مرئية تعلّم الطلبة القواعد الأساسية للحياة الجامعية والتعامل مع تحديات الغربة، وأذكر هنا تجربة جميلة من الماضي، ففي عام 1975 رتبت لنا وزارة التربية زيارات ميدانية قبل ابتعاثنا إلى أمريكا: ذهبنا إلى مبنى محاكم حولي قيد الإنشاء وتعرّفنا على دور المهندس المدني والمعماري، كما زرنا مستشفى الصباح قسم الأشعة النووية وتعرّفنا على أهمية التخصصات الهندسية المرتبطة بالطب، كانت تلك الزيارات مفيدة جداً، وأعتقد أن مثلها اليوم سيكون له أثر عظيم، حتى لو استفاد طالب واحد فقط من مثل هذه البرامج، فهذا نجاح للوزارة، إن ما نحتاجه اليوم ليس فقط إرسال الطلبة إلى الخارج، بل إعدادهم إعداداً شاملاً يجعلهم سفراء حقيقيين للكويت أينما حلّوا، وهذا الإعداد يبدأ من المنزل ويستمر في المدرسة ولا ينتهي إلا بعودتهم محمّلين بالعلم والخبرة، لأن الهدف الأسمى هو خدمة الوطن والمساهمة في نهضته، سواء درس شبابنا في الخارج أم اختاروا إكمال تعليمهم داخل الكويت، فكلاهما طريق للنجاح إذا اقترن بالإعداد الصحيح والنية الطيبة.

وفي الختام، أقول: بالتوفيق يا عبدالله... وبالتوفيق لكل أبنائنا الطلبة في الخارج، وكذلك لمن اختاروا إكمال تعليمهم داخل الكويت، فأنتم فخرنا وأملنا.

وتسلمون. 

جريدة القبس في عددها الصادر الثاني من سبتمبر 2025 (الرابط الإلكتروني).

بالتوفيق يا عبدالله - PDF