مسجد العثمان.. ريادة الاستدامة

essay image

يتهيأ مسجد المرحوم عبدالله العثمان في النقرة، ليحقق إنجازاً تاريخياً غير مسبوق، مع اقتراب موعد صدور الشهادة الأولية من مجلس المباني الخضراء الأمريكي USGBC في نهاية سبتمبر المقبل، ومن المتوقع أن يحصل المسجد على الدرجة الفضية، مع أمل جاد بالوصول إلى الدرجة الذهبية، الأمر الذي سيجعله أول مسجد في الكويت، والخامس فقط على مستوى الخليج، الذي يظفر بهذه الشهادة العالمية المرموقة، وتُعتبر شهادة LEED، أو Leadership in Energy and Environmental Design، النظام الأكثر اعتماداً عالمياً لتصنيف المباني الخضراء، والتي تصدر عن مجلس المباني الخضراء الأمريكي، بعد مراجعة شاملة للتصميم والتنفيذ والتشغيل، وتعتمد هذه الشهادة على معايير دقيقة، تشمل كفاءة الطاقة والمياه، وجودة البيئة الداخلية، واستخدام المواد الصديقة للبيئة، والابتكار في التصميم، بحيث تنقسم إلى أربع درجات رئيسية: معتمد Certified، فضي Silver، ذهبي Gold، وبلاتيني Platinum، ونيل أي درجة منها يعني أن المبنى التزم بمعايير صارمة تضعه في مصاف المشاريع المستدامة الرائدة، ولم يكن هذا المشروع ليبلغ هذه المرحلة المتقدمة لولا الدعم الكبير من ثلث المرحوم عبدالله العثمان، والقائمين عليه من ورثة المرحوم عبدالله العثمان، والهيئة العامة لشؤون القُصَّر، فهذا الثلث الخيري اعتاد منذ تأسيسه أن يوجّه خيره نحو ما ينفع المجتمع والدولة، فمنذ تشكيل لجنة الأوصياء، كان الثلث مصدراً للمبادرات النوعية، التي تجمع بين الجانب الروحي والبعد التنموي، وجاء الإشراف المباشر لإعادة تأهيل المسجد، ليمثل إضافة نوعية في سجلٍ طويل من العطاء، الذي يخدم الكويت وأهلها، وإلى جانب حصوله على شهادة الاستدامة العالمية، فإن ما يميّز مسجد العثمان أيضاً أنه أصبح مسجداً ذكياً بامتياز، حيث تعتمد أنظمة تشغيله وصيانته على تقنيات رقمية متطورة تراقب استهلاك المياه والطاقة، وتتحكم في الإضاءة والتكييف بدقةٍ عالية، مما يرفع كفاءة التشغيل ويطيل عمر المبنى وخدماته، ويقلل من تكاليف الصيانة المستقبلية بشكلٍ كبير، مما يجعله نموذجاً يبرهن على أن المساجد يمكن أن تكون أماكن للعبادة، وفي الوقت نفسه منصات لأحدث الحلول التكنولوجية المستدامة، وقد ركزت أعمال التجديد على دمج أصالة العمارة الإسلامية والتراث الكويتي مع متطلبات العصر، فقد أُعيد تصميم أنظمة المياه لتوفير أكبر قدر ممكن من الترشيد، مع الاستفادة من إعادة تدوير مياه الوضوء لري الحدائق وتشغيل بعض المرافق، كما اعتمد المشروع على الطاقة الشمسية وأنظمة الإضاءة والتكييف العالية الكفاءة لخفض استهلاك الكهرباء، وبالتوازي مع هذا تمت إعادة تدوير مخلفات البناء، واختيار مواد صديقة للبيئة، إلى جانب تحسين جودة الهواء والإضاءة الطبيعية داخل المسجد، بما يعزز راحة المصلين وصحتهم، وأهمية هذا الإنجاز تتجاوز جدران المسجد، لتصل إلى مستوى وطني وإقليمي، فهو يضع الكويت في مقدمة الدول، التي تقود مبادرات الاستدامة في مجال عمارة المساجد، ويفتح الباب أمام تعميم التجربة في مبانٍ عامة أخرى، كما أنه يعكس رؤية تنموية متوازنة، تعطي قيمة للتراث والبيئة معاً، وتُظهر بوضوح أن بيوت الله يمكن أن تكون منارات للإيمان والوعي البيئي في آن واحد، وهكذا فإن مسجد العثمان اليوم لم يعد مجرد مكان للصلاة، بل أصبح منارة حضارية وبيئية ذكية، مجسداً بذلك لقاءً فريداً بين الإيمان والتكنولوجيا، وبين العبادة والاستدامة، ليقف شاهداً على قدرة الكويت على الجمع بين الأصالة والمعاصرة، وليكون قدوة تحتذى في المنطقة نحو مستقبل أكثر وعياً وازدهاراً.

وتسلمون. 

جريدة القبس في عددها الصادر الثلاثاء التاسع من سبتمبر 2025 (الرابط الإلكتروني).

مسجد العثمان.. ريادة الاستدامة - PDF