«بوعبير» مرة ثانية
في ١٦ مايو ٢٠١٧ كتبت مقالاً باسم «بوعبير» واليوم أعيد بعضاً مما كتبته، لأني ما لقيت كلمات تعكس شعوري قبل وبعد مباراة الكويت والعراق، فشيء جميل إعادة العلاقات الطيبة مع الجوار، وأهلاً وسهلاً بجمهور العراق، وحياكم الله بالكويت ضيوف وأهل معززين مكرمين، وأما المباراة فلها شقان: الأول فريقنا الأزرق والذي بوجهة نظري أدى مباراة كبيرة ونفذ خطة المدرب بكل حرفنة، فالواضح أن الهدف هو التعادل وهذا ما حققوه، وماحد يقدر ينكر مستوى الفريق العراقي ومحترفيه، فكل الشكر للأزرق ومدربيه وجهازه الإداري، أما الشق الثاني والخاص بالتنظيم السيئ وتعريض أرواح الناس للخطر وكذلك الإساءة لسمعة الكويت أعتقد أنها لن تمر مرور الكرام وأعتقد سوف نرى محاسبة للمتسببين في تلك المهزلة، ويبقى وتبقى الذاكرة وجراح الغزو الغاشم والتي لم ولن تندمل، ولكن ذلك لا يعني العيش في الماضي، ومن الضرورة ولمصلحة الكويت علينا أن ننظر للمستقبل بإيجابية وبانفتاح ولكن دون أن ننسى، وخلونا نتذكر سرد مقالة «بوعبير» مرة أُخرى، قصة صداقة غربة في باريس بين طالب كويتي وبعثي عراقي، وبكل الأحوال أقول رحمة الله عليك صديقي بوعبير بغض النظر عن خلافنا، وجاء في المقابلة:
«... أول ما وصلت باريس ما كنت أعرف الشمال من الجنوب ولا أعرف كلمة بالفرنسي، ومعهدنا كان بالضواحي في منطقة تدعى رو ماليزون، ولأني غشيم سكنت في منطقة قريبة من برج إيفل، يعني كل يوم أمشي نصف ساعة إلى محطة المترو، واسمها بيير حكيم، ومنها إلى محطة إيتوال في الشانزليزيه، ومن هناك بالقطار إلى محطة لاديفانس وبعدين الباص وبعدين مشي نصف ساعة والردة نفس الشيء، ضحك بوعبير وقال لي: «ضحكوا عليك وتلاقيهم ماخذين عمولة منك»، وهنا بدأت صداقة غير متكافئة مع هذا الإنسان اللطيف المتناقض البالغ العقد الخامس من العمر، وأصبحنا أصدقاء وأعداء في الوقت ذاته، فهو إنسان طيب وكريم، وتعلمت منه الكثير، خصوصاً عن تاريخ البعث الأغبر وكيفية نشأته وتصفيته لخصومه، وكل هذه المعلومات كان يغردها لي صاحبنا على العشاء في بيته القريب من غابة بولونيا، وما قصرت أم عبير كل يوم العشاء شكل، وأنا ما أقصر معاهم، لكن المشكلة الوحيدة التي ظلت قائمة بيننا وتسببت أكثر من مرة في نزاع وقرار قطع علاقتي معه، لكن أعود عن القرار بعد اعتذاره لي وإصراره على الحضور إلى منزله، هي مسألة الكويت، نعم، فهذا الرجل كان مصراً على إيصال رسالة أن الكويت هي جزء من العراق، وقبيل عودتي إلى الكويت زرته للمرة الأخيرة وقال: «اسمعني عدل ولا تعصب، وأقول لك هذا الكلام لأني أعزك، فالكويت سوف ترجع للعراق وكلها أيام ويتسلم صدام زمام الحكم في العراق، فاسمع نصيحتي وارجع أمريكا، فخلال عشر سنوات ماكو شي اسمه الكويت»، فشديت معه ورديت: «خلال عشر سنوات ماكو شي اسمه العراق»، فأنهى كلامه في الموضوع وقال لي من القلب: «صدّق العراقي في كل شي إلا موضوع الكويت، فتلك ثقافة جارفة بأن الكويت هي جزء من العراق»، هذا الكلام كان عام ١٩٨٠، ولم أرَ بوعبير بعدها، لكني علمت بما قاله، والحكمة هنا أنه علينا أن نتعامل مع العراق لكن ليس بثقة مطلقة، وأن يكون الحذر ديدننا، وتكفي التظاهرات الأخيرة المطالبة بخور عبدالله الكويتي، فكما قال بوعبير، وبوعبير ربما صادق في هذه، «إن أطماع بعض العراقيين في الكويت ثقافة، فهم يختلفون على كل شيء إلا في هذه!».
وتسلمون.
المصدر: جريدة القبس في عددها الصادر الثلاثاء السابع عشر من سبتمبر 2024 (الرابط الإلكتروني).
«بوعبير» مرة ثانية - PDF