كُنْ جميلاً

essay image

منذ فترة ليست بالقصيرة، وصلتني هدية من الأخ العزيز والكاتب محمد الفارس، وهي عبارة عن كتابين هما «كن جميلاً» و«قصف الجبهات من روائع الإجابات»، وفي هذا المقال أسلط الضوء على كتاب «كن جميلاً» لأشارككم واحداً من مقالاته، وأنقله لكم كما ورد على لسان الكاتب، لما فيه من الحكمة ما يستحق التأمل والتدبر، وقبل أن نغوص في محتوى الكتاب، لا بُدَّ لنا من العروج قليلاً على سيرة الكاتب المتميز محمد الفارس، فهو كاتب وأديب سعودي يتميز بأسلوبه الرقيق في الكتابة وقدرته على تقديم المعاني العميقة بكلماتٍ بسيطة ومؤثرة، ويُعرف بوفلاح بكتاباته في مجال التطوير الذاتي والتنمية، حيث يمزج بمهارة بين الحكمة العربية الأصيلة والرؤى المعاصرة في التعامل مع الحياة، ما يجعل كتاباته تلامس القلب قبل العقل؛ ومن بين المقالات الثرية في هذا الكتاب، اخترت لكم مقالاً بعنوان «لماذا الزعل؟»، الذي يقدم فيه بوفلاح رؤية فلسفية عميقة حول طبيعة الحياة وكيفية التعامل مع محنها قائلاً: «الصّراخ لا ينهي قضية، والحزن لا يحل مشكلة، والبكاء لا يرد الأموات، والقلق لا يبني مستقبلاً، والتفكير السلبي لا يصنع نجاحاً، والخوف لا يمنع القدر. ولو حسبنا سنوات أعمارنا لوجدنا أنَّ من يعيش مئة سنة تساوي عند الله ثانية. لماذا الزعل على شيء قد كان؟ وقد كُتبت تفاصيل حياتك منذ ولادتك حتى وفاتك في اللوح المحفوظ قبل أن تُخلق؟ وهل يُحسد السفيه لسفهه؟ وهل يحسد الجاهل على عقله؟ لولا تميزك لما حسدوك، ولولا طموحك لما خذلوك، ولولا جمال قلبك لما اغتابوك، فلا تضيع وقتك بالتفكير فيما يقولون عنك، فهم لا يستحقون. التفكير في الماضي يجعلنا نجرُّ معنا آلام الماضي إلى المستقبل وكأننا عشقناها ولا نريد أن نبرح عنها؛ وقل شكراً للمصائب فقد أسقطت أقنعة كنت تحسن الظن بها، فبعض المصائب كالماء العكر فقط انتظر قليلاً حتى تتَّضح لك الرؤية، وفتش بها حتماً سوف تجد الفائدة، واجعل ما يُقال فيك مدحاً أو ذمّاً سُلماً ترتقي به إلى النجاح، فجرب علاج كل من يسيء لك أو يتحدث عنك بسوء أو يتهمك، واتبع مقولة: تغاضَ وربك يتقاضى، فالغضب يجذب الأمراض وعليك بتحويل غضبك إلى مشروع يغير حياتك للأفضل، فمن العظماء من استُهين به فترجم الألم إلى تحدٍّ ثم إلى حلم ثم إلى واقع. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إذا سمعت الكلمة تؤذيك فطأطئ لها حتى تتخطاك، ويقول رضي الله عنه: لا أبالي أصبحت غنياً أو فقيراً فإني لا أدري أيهما خير لي. فالإنسان ليس جسداً، فهناك مخلوقات كثيرة تشبه الإنسان في الجسد، بل أنت الروح والروح أنت، هي من تصنع لك الفرق، وهي من تغير حياتك، إذاً فأنت مشاعر توجهها لتكوين ذاتك، وماذا تريد أن تكون؟ وكيف تكون؟ فاحرص وركز عليها أكثر من حرصك على جسدك، فهي من تعيش بعد موتك أو تموت مع جسدك، فلا قيمة للساعة إن لم تكن تعمل».

ولا بُدَّ من الإشارة عزيزي القارئ بأن كتاب «كن جميلاً» مُطعَّم بالكثير من المقولات والحِكم التي تنير دروب النفوس وتهذب الأخلاق، اخترت لكم منها ما يلي: «الأمواج لو لم يدفع بعضها بعضاً لم تصل إلى الشاطئ، كذلك البشر في الخير والشر»، وأيضاً «لا تجعل جواد طموحك يستريح، ما دمت تنعم بالصّحة فسابق الوقت والريح، ولا تلتفت للخلف لتسمع النقد والتجريح، فأنت فارس وإن كنت جريحاً».

وفي المقال القادم سأتناول كتاب «قصف الجبهات من روائع الإجابات»، الذي لا يقل جمالاً عن سابقه، لنستكمل معاً هذه الرحلة الثقافية الممتعة مع قلم العزيز بوفلاح

وتسلمون 

 جريدة القبس في عددها الصادر التاسع عشر من أغسطس 2025 (الرابط الإلكتروني).

كُنْ جميلاً - PDF