صناعة الإفتاء خطوط حمراء

essay image

لكي لا يضحى الحكم الشرعي حقاً يراد به باطل! إن لم تكن هناك قراءة ذات أبعادٍ ثلاثة فإن هذه المقالة لن تؤتي أكلها، وقد تُحوّر إلى ما لا تحتمل. فالكتابة والتطرق إلى اللجان الشرعية لهما خطوطهما الحمراء لارتباط كلمة الشرعية بهما، وما تتضمن من معاني الإحترام والإلتزام بشرعنا الحنيف. لكن الواقع أن أغلب تلك اللجان وأثناء قيامها بمهام الإفتاء قد تقع في بعض الأحيان فريسة لبعض المديرين الذين يجعلون من تلك الفتاوى وسيلة للوصول إلى أهدافهم سواء بتمرير منتجات أو سلباً للحقوق، فيضحى الحكم الشرعي حينها حقاً يُراد به باطل. ويعد وجود اللجنة الشرعية أساسياً في المؤسسات المالية ذات الصفة الإسلامية، وكذلك في الهيئات الحكومية التي ينص قانون انشائها على تطبيق الشريعة الإسلامية. ويتم تعيين الأعضاء في هذه اللجان من قبل مجالس إدارات تلك المؤسسات. فاللجان الشرعية أضحت صناعة متميزة في دولة الكويت، كيف لا وهي التي تمنح ختم «مطابق للشرع» على كل قرار ومنتج يصدر عن المؤسسة التابعة لها. ولا بد هنا من التأكيد أن الخطورة وربما الإنحراف لا يأتيان من تلك اللجان بذاتها، بل يأتيان من قبل مديري الظل الذين يتمترسون خلف تلك اللجان في مواجهة أي معارضة أو انتقاد لقراراتهم التي قد تكون مجحفة، وكذلك الحال مع بعض المدراء الذين لا يمانعون الإتجار في الدين في سبيل تحقيق الأرباح والمنافسة. وكلا النوعين من المدراء يعلم علم اليقين نقاط ضعف تلك اللجان، فتصدر الأحكام على أسئلة عامة دون الأخذ بالظروف الخاصة المحيطة بالمسألة، مما ينتج عنها إضاعة حقوق وتحليل محرم. فكما يقال.. كما تَسأل تُجاب. هذا طبعاً عدا عن المرجعية الدينية والفقهية والإنتماء المذهبي لأعضاء تلك اللجان. فإذا كانت المؤسسة أو الهيئة تقدم خدماتها لكل أطياف المجتمع، فكيف يمكن وضع مسطرة شرعية موحدة تكفل حقوق هؤلاء المواطنين حسب مذاهبهم ومعتقداتهم، أليس هذا من باب العدالة الاجتماعية على الأقل؟! ومع توسع تلك الصناعة وما صاحبه من ظهور علماء أصغر سناً وأقل خبرة، لا بد لنا أن نتساءل كذلك إن كان هناك من معايير تحدد مؤهلات أعضاء تلك اللجان، أو جهة حكومية ترخص لهم الإفتاء. وهل سنجد الإفتاء يوماً وقد أضحى مهنة، كما هي الحال مع المأذون الشرعي أو الإمام والمؤذن على سبيل المثال. فمع انتشار تلك اللجان لا بد من وضع مرجعية حكومية ومعايير مهنية هي ضرورية لمن يود العمل في مجال الإفتاء حتى لا يتحول الوضع إلى احتكار على وجوه معينة. ومع تزايد عدد المؤسسات والهيئات المؤطرة بالنظام الإسلامي فإني أرى ضرورة إخضاع كل اللجان الشرعية تحت رقابة إدارة الإفتاء في وزارة الأوقاف مع وضع ضوابط ومعايير ومؤهلات للراغبين في العمل في هذا المجال، على أن يتم تعيينهم في اللجان من خلال الوزارة بناء على طلب من المؤسسة المعنية. هذا التنظيم الإداري سيمنح الإستقلالية لأعضاء اللجان. كما أدعو إلى أن تضم كل لجنة شرعية في جهازها الإداري من هو متخصص في مجال عمل تلك المؤسسة لضمان صحة طرح المسألة، وبالتالي الحكم الشرعي الصادر عنها، وأن تحرص اللجنة على الإستماع إلى الطرف الآخر المعني بالسؤال لا الطرف السائل فقط ضماناً لتحري كل ظروف المسألة. وكما أسلفت، فكل الإحترام والتقدير نكنه لأعضاء لجان الإفتاء، وما هذا المقال إلا دعوة صادقة للخروج بالافتاء من عباءة الصناعة والعودة به إلى عباءة الشرع والعدالة.

وتسلمون.