الطائرة
على متن الطائرة البريطانية في طريقي إلى تورنتو جلس إلى جانبي مسافرٌ كويتي في الخمسينات من العمر. وبعد إقلاع الطائرة، وبعد أن خلد ركاب المقصورة إلى النوم، فجأة يعلو صوت الحديث حتى أنني اعتقدت لوهلة أنني في أحد دواوين الكويت. فمجموعة من زملاء عمل تجمعوا حول المسافر الكويتي الذي تبين أنه مديرهم وخذوها سوالف. ومن خلال حديثهم الصاخب اتضح لي أن أفراد المجموعة هم قياديون تابعون لإحدى شركات النفط. وللأسف فإن هؤلاء، وبغض النظر عن ثقافتهم العالية، فانهم تصرفوا بقلة احترام لمشاعر الركاب الآخرين وحقوقهم. ولم يتوقف هذا الهرج حتى جاء المضيف البريطاني وغسل شراعهم وطلب منهم العودة إلى مقاعدهم.
شعرت بالحسرة وأنا أرى هؤلاء القياديين يرتضون على أنفسهم تمثيل بلدهم الكويت بهذه الطريقة التي تجاوزوا فيها حدود احترام الآخرين، وبالنتيجة قبلوا على أنفسهم وعلى بلدهم أن يتعرض الواحد منهم للتوبيخ على يد مضيف يقوم بواجبه تجاه تأمين راحة ركاب الطائرة وأمانهم.
ولدى وصول الطائرة إلى لندن، حيث انتظرنا وصول الباص المقرر لنقل الركاب. ورغم تأخر الباص، فإن جميع ركاب الطائرة جلسوا بسكينة في انتظار الفرج، والمفارقة أني لم اسمع أي تذمر أو تحلطم والجميع بدا راضياً بخيار الانتظار. تأملت هذا المشهد وسألت نفسي: لو كانت الطائرة كويتية أو لو كنا في مطار الكويت وحدث ما حدث، فماذا سيكون الحال، أعتقد أن الجواب واضح في مخيلة القارئ!
عند التمعن بركاب الطائرة المتجهة إلى تورنتو والخليط العجيب من الجنسيات والأديان المختلفة التي تجمعها الجنسية الكندية، تساءلت كيف لهؤلاء الناس التكيف مع الولاء للوطن الجديد في ظل الولاء للوطن القديم؟ وكيف لتلك الأديان والثقافات المختلفة التجانس تحت لواء المواطنة الكندية والتي تقر الازدواجية في الجنسية وحماية حرية الأديان والاعتقاد؟ ورغم التساؤل فإني أعرف مسبقاً الجواب: الذي يجمع هذا الخليط كله هو القانون الذي يطبق بصرامة على الكل تحت سقف العدالة الاجتماعية والمساواة. ورغم أن للدولة لغتين رسميتين: الانكليزية والفرنسية، فان واقع الحال يجعل لغات البلد الأم لمواطنيه من المهاجرين، هي الطاغية. فمن شارعٍ إلى آخر تتغير لغة إعلانات المحلات من العربية إلى الفارسية إلى الهندية والصينية بأنواعها. الكل يتكلم لغته مع أبناء ملته ويتحاور مع الآخرين إما بالانكليزية أو الفرنسية. في الوهلة الأولى لا يمكن لك أن تشعر بأن هذه الشعوب مندمجة ثقافياً أو فكرياً، لكن ورغم ذلك فهي بشكل او بآخر متعايشة، وهذا يرجعنا إلى مجتمعنا المتعدد المشارب والفكر، فإن ما يجمع بين الكنديين هو الالتزام بالقانون فقط. وما يجمع بين الكويتيين هو نسيجٌ من الألفة والمودة التي توارثوها عن الأجداد، والتفافهم حول أسرة الحكم. ولو التزم الكويتيون كافةً بصحيح القانون بقدر ما التزم به الكنديون لأصبحنا خير أمة.
وتسلمون.
الطائرة PDF