متلازمة البعثات الخارجية

essay image

وها هي سنوات العمر تمضي كالبرق، وكأنه بالأمس صيف 1975 خرجت من المنزل بالصباح الباكر، رايح أشتري سمكاً من سوق المباركية، وإذا بالصحيفة على مقبض باب منزلنا في الروضة تعلن عن نتائج الثانوية العامة، تصفحت والقلب يخفق والفرحة لم تتسع لها الأرض، ورجعت للوالدة أبشرها بالنجاح، وطبعاً نسيت السمك وماجلة البيت والصحيفة ما زلت أحتفظ بها ضمن أرشيفي، والحمد لله كان النجاح حليفي مع أني ما كنت متأكداً خصوصاً في مادة الإنكليزي، فكانت معضلتي الوحيدة، وفعلاً وكما توقعت، نتيجتي بالإنكليزي كانت 16 من 40 يعني على الحفة، والصراحة لولا مدرس كويتي كان يراقبنا بالصف شافني مخلي ورقة الترجمة فاضية وجيت أسلم أوراق الامتحان، فقال لي: شفيك مستعجل، مشتهي تسقط؟ قلت له: ماني عارف شي من المكتوب وقال لي: اكتب عن نقل الماء قبل النفط، طبعاً كان هذا طوق نجاة، فألفت قصة بعدد أسطر السؤال غطيت فيها الموضوع، ويمكن الدرجة أو الثنتين اللي جبتهم من تأليف الترجمة هي اللي نجحتني، المهم نجحنا والنسبة كانت 67.5%، وبذلك التاريخ هذه النسبة زينة تدخلك جامعة الكويت وأنت مرتاح، حيث كان القبول بالجامعة 55%، ولكن هي ليست بكافية للابتعاث لأمريكا حيث كان الحد الأدنى 70%، ولكن الوزارة تسمح للطالب يروح على حسابه سنة، وإذا خلص ٢٤ وحدة بنجاح يحول على الحكومة، وكانت الوزارة حريصة على كل طالب بغض النظر أكان على حساب الحكومة أم على حساب أهله، وكانت الوزارة تحدد مبلغاً مقطوعاً يدفعه ولي أمر الطالب للوزارة، وتتولى الوزارة الصرف ودفع الرسوم الجامعية والراتب على الطالب حاله حال بقية المبتعثين، ورحلة أمريكا ما كانت سهلة مثل الآن، وراح اتكلم عنها بمقال مقبل، المهم مو هذا موضوعنا اليوم، موضوعنا البعثات الخارجية، وقبل لا أبدأ لازم أشكر حكومتنا على الجهد الكبير ودعمها للطلبة، ولكن وكما يقال «الزين ما يكمل»، جهد الوزارة أحياناً يضيع بالقليل من البيروقراطية والتعقيد الإداري وجمود اللوائح، وبعطيكم قصة صجية، أحد شبابنا حصل على قبول من جامعة تعد من أرقى الجامعات البريطانية ذات التصنيف العالي، وحكومتنا أيضاً ما قصرت ولتشجيع الطلبة على الالتحاق بالجامعات المميزة سوت لهم برنامجاً خاصاً ملخصه: «جيب قبول من جامعة متميزة واختر أي تخصص حتى لو لم يكن مدرجاً في خطة البعثات، وفوق هذا مخصصاتك المالية تزيد بنسبة 50% على مخصصات البعثة العادية»، وكل هذا الكلام زين، لكن وضعوا شرطا غريبا شوي، أن نسبته لا تقل عن أدنى نسبة في خطة البعثات الخاصة بالبلد اللي بتروح له، والصراحة أنا ما دري شنو علاقته بالموضوع، إذا الجامعة المتميزة قابلة الطالب حسب علاماته، فليش تحددونه بنسبة؟ زين خلوني أوضح أكثر: صاحبنا الطالب من سوء حظه نسبته في الثانوية 84.96% وأقل نسبة محدده لبريطانيا 85%، يعني فرق 0.04% الجماعة في قسم الإرشاد واحد قال له: قدم على بعثة التميز وفيه لجنة يمكن توافق، ومن باب التأكيد والدته كلمت المسؤولة وكان ردها مختلفاً، حيث أفادت بأنه خياركم المضمون يروح من خلال البعثة العادية إلى أمريكا فتخصص ريادة الأعمال نسبته 80%، طبعاً الكلام مو منطقي فلندن من جامعة متميزة نسبة 85% وامريكا بنفس التخصص 80%، يعني يترك جامعة عملاقة وقبوله جاهز لسبتمبر ويقعد يدور على جامعات في أمريكا، وما في وقت لأن الجامعات الكبيرة قبولها أُغلق، ويعني بأحسن الأحوال بشهر يناير وللعلم معظم الجامعات الكبيرة قبولها فقط في سبتمبر، وطبعاً وفق ما فهمنا ان الطالب إذا ما التحق بالجامعة قبل شهر ٧ المقبل تسقط عنه البعثة، زين وهناك مشكلة أكبر تنتظر الطلبة المبتعثين لأمريكا، ألا وهي الفيزا من السفارة الأمريكية والتي تأخذ فترات طويلة أحياناً، ووفق ما ذكرته إحدى الموظفات في الوزارة فإن هناك طلبة من دفعة السنة الماضية إلى الآن ما حصلوا على الفيزا، وبعض الحالات تأخذ شهراً وأخرى تأخذ ستة أشهر وأكثر، والصراحة ماني عارف ليش التركيز على أمريكا في هذه المرحلة، وليش ما تكون بريطانيا البديل وفتح تخصصات اكثر بها؟ ومني رسالة إلى معالي وزير التعليم العالي، هذا الطالب اللي حاصل على قبول من أكبر الجامعات في بريطانيا ليش تعلقونه على 0.04% وتدخلونه بموال ما له أول من آخر، وكذلك ليش يشترطون عليه التنازل عن قبوله بالبعثة العادية الى امريكا قبل التقديم على البعثة المتميزة، وعرض حالته على اللجنة؟ وهو وحظه إذا قبلوه تمام وإذا ما قبلوه راحت عليه البعثتان؟ يرحم والديك وزيرنا الغالي هل هذا يُعقل؟ ما زلت أرى أن الجهد الكبير والذي تقوم به الوزارة احياناً يضيع بشغلات بسيطة، وأختم وأقول: معالي الوزير هؤلاء الطلبة أبناؤك فخفف معاناتهم وأجرك كبير عند الله، ولنا عودة بمتلازمة البعثات ونصائح لابنائنا الطلبة المبتعثين.

وتسلمون. 

جريدة القبس في عددها الصادر الثاني والعشرون من يوليو 2025 (الرابط الإلكتروني).

متلازمة البعثات الخارجية - PDF