ما راح نتعلّم

essay image

بالأمس، أرسل لي أحد المهتمين بالعمارة مقطعاً تعريفياً عن كود البناء الجديد في المملكة العربية السعودية، وقد أذهلني ما رأيت، الكود الجديد يقسّم المملكة ومناطقها وفقاً للهوية الثقافية والتاريخ المعماري لكل منطقة، فهناك العمارة النجدية، والنجدية الشرقية، والعمارة الساحلية الحجازية، بالإضافة إلى طراز ساحل تبوك، وواحات الأحساء، والطائف، وأبها، ونجران، وغيرها، لكل منطقة كود وطابع معماري خاص لا يُسمح بالخروج عنه، بهدف الحفاظ على الهوية المعمارية، وتعزيز الحداثة المنظمة في مختلف المباني، وأقول ما شاء الله، تبارك الرحمن، وسعيد جداً لهذا التطور المميز في المملكة، ولكن هي رسالة لإخواننا وأخواتنا في المجلس البلدي وبلدية الكويت: أتمنى رؤيتهم لهذا المقطع المنشور على برامج التواصل الاجتماعي، ودي تشوفونه وتراجعون نفسكم، وتقارنون التعديلات اللي أقريتوها على نظام البناء السكني والاستثماري، واللي أخذت منكم أكثر من أربع سنوات دراسة، مع ما يتم في دول الخليج من المحافظة على الهوية والبيئة والبنية التحتية، وكنت أتمنى أن تراعي تعديلاتكم المناطق والمدن الجديدة، التي لم تُبنَ بعد، ترى نظام السكن الخاص اللي أقريتوه سوف يكرّس التكدّس والتأجير وزحمة الشوارع والتلوث البصري، يعني انتو قاعدين تستنسخون الجابرية وسلوى بالمناطق الجديدة! ويكفي ما حدث في منطقة صباح الاحمد البحرية (الخيران) من تشويه ومخالفات، نتيجة اعتماد نسبة البناء المطبقة في السكن الخاص (٢١٠%) على تلك المنطقة الساحلية الجميلة، والتي يفترض ان يكون لها كود معماري ونسبة بناء تتناسب مع طبيعتها، وأقل ما أقول عن التعديلات الجديدة وجوب إلزام أصحاب المنازل بعدد من السيارات من ضمن حدود البيت، باستحداث معلق أو بالسرداب، وخلق كود للألوان وتصميم الواجهات، وكنا انسولف عن الكود الجديد في السعودية، وأخدنا الجدل حول إمكانية تطبيق هذا في الكويت أم لا، وكان جوابي ان الكويت كانت سباقة في هذا المجال، فإلى بداية الثمانينيات كان ممنوعاً إيقاف السيارات على أرصفة الشوارع الرئيسية، التي تفصل بين المناطق، وكان ممنوعاً الفرز عليها، وكانت هناك شروط تتعلق بالواجهات والألوان. وأذكر جيداً أنه عند ترخيص مركز العثمان في حولي، رفضت البلدية تكسية المشروع بالطابوق الناري «الإنكليزي»، لأنه لونه غامق، وعلى أثره غيّر المصمم التكسيات إلى رخام الترفنتينو البيج، البلدية والمجلس البلدي كانا أكثر فاعلية وأكثر إبداعاً في ذلك الوقت. وأذكر أيضاً بـ«الاستثماري» وُزعت المناطق إلى السكني بواجهات تجارية، والسكني كثافة عالية، والسكني كثافة متوسطة، وبوقّف عند السكني صاحب الكثافة المتوسطة، الذي خُصّص لعمارات لا تزيد على ما أذكر على أربعة أدوار، وشقق بمساحات لا تقل عن ٢٠٠ متر مربع، تكون مخصصة لسكن العائلات الكبيرة العدد، وتصلح لسكن العائلات الكويتية، ولكن بقدرة قادر تم إلغاء هذا التخصيص، وحُولت تلك المناطق إلى استثماري كثافة عالية، والتي زيدت نسبة البناء بها عام ٢٠٠٣ بشكل غير مدروس إطلاقاً من ١٧٠% إلى ٢٥٠%، من دون مراعاة لمواقف السيارات ولا البنية التحتية، هذا القرار من المجلس البلدي في ذلك التاريخ، واللي كان يراعي تحريك السوق العقاري الراكد آنذاك، خلق الفوضى المعمارية، والتي نراها الآن، معظم العقارات الاستثمارية مخالفة بشكل أو بآخر، وقانون العقوبات الفلكي غير مُفعّل لعدم منطقيته، وما زال المجلس البلدي متمسكاً به، وهذا سبق أن تكلمنا عنه، والأسوأ قانون الإيجار اللي ما يمكّن لا المؤجر ولا البلدية من إخلاء العقار المخالف، فيلجأ إلى قطع التيار الكهربائي، وطبعاً التعديلات على النظام الاستثماري الأخير ما عالجت شي، بل زادت الطين بلّة، فالطلب الكبير للسكن العائلي الكويتي، وكذلك العائلات العربية، والذين خلقوا طلباً لا يلبيه النظام الاستثماري، أدى إلى تحوّل مناطقنا السكنية إلى عمارات وأدوار لتستوعب هذا الطلب الكبير، تمنيت من المجلس البلدي مراعاة ذلك عند التعديل، وتشجيع الملاك لبناء ما هو مناسب لسكن العائلات الكويتية، ولكن الربع استحدثوا نظام الاستوديو ٤٥ متراً مربعاً، وهذا يزيد عدد الشقق في العمارات، وراح نرى موجة جديدة من العمارات ذات نظام الاستوديو، وسوف يزداد التكدس والضغط على البنية التحتية، وإن سُمح بأن يضاف غرفة سائق منفصلة للشقق ذات ١٢٠ متراً مربعاً، ولكن لم يراعِ المجلس ولا البلدية الجدوى الاقتصادية لأي تصميم، ونسوا أو تناسوا أن التاجر يلحق مصلحته، وإذا أي مشروع غير مجدٍ ما راح يسويه، فوجب وضع نسب تحفيزية تجعل المستثمر يتحول إلى الشقق الكبيرة بدلاً من صناديق الطماطم، المقال لا يحتمل المزيد، ولكن كلّي أمل ان تُراجع كل قوانين البناء من خلال مستشارين عالميين، وخصوصاً للمناطق الجديدة، وزيارة رسمية للمجلس البلدي ولدول الخليج والاطلاع على تجاربهم ما هي بفكرة سيئة.

وتسلمون. 

جريدة القبس في عددها الصادر الثاني عشر من أغسطس 2025 (الرابط الإلكتروني).

ما راح نتعلّم - PDF